أمجد عرار

في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، وبعد سنوات من الحصار الظالم وحملات الكذب والفبركات التمهيدية، بدأت القوات الأمريكية عملية غزو العراق التي بدأت في التاسع عشر من مارس/آذار ،2003 وتوقّف لهيبها الناري المكثّف في التاسع من إبريل/نيسان، متوّجة بإعلان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أن ldquo;المهمة أنجزتrdquo;، وظن البعض أن العراق دخل مرحلة جديدة عنوانها الديمقراطية والحريات العامة . ومنذ ذلك اليوم والوقائع تتوالى في غير مصلحة تلك المراهنات، حيث بدأ العراق تاريخاً جديداً مصبوغاً بالدم، علاوة على أن ldquo;الديمقراطيةrdquo; الموهومة تمت ترجمتها على شكل محاصصة طائفية فيها من الألغام، وصواعق التفجير بقدر ما تخلو من مقوّمات الاستقرار والوئام .

منظمة ldquo;ايراك بادي كاونتrdquo; البريطانية ذكرت في تقرير أن عدد القتلى العراقيين منذ الغزو بلغ 170 ألفاً على الأقل . لكن تقرير المنظمة يضيء حقيقة أشد خطورة وهي أنه يقتل كل عام ما بين أربعة وخمسة آلاف عراقي في هجمات طائفية ومذهبية، وهو ما يعادل تقريباً عدد الجنود الأجانب الذين قتلوا في العراق منذ الغزو، علماً بأن المعاناة تتجاوز هذه المعطيات حيث إن هناك ملايين المهجّرين داخل العراق وخارجه .

وفي حين تتصاعد ألسنة لهب الفتنة ظهرت مبادرة تقدّم بها عدد من شيوخ عشائر الأنبار التي تشهد تظاهرات منذ بضعة أسابيع . هذه المبادرة تستحق التوقّف عندها والنظر إليها نظرة تقدير واحترام يرقيان إلى الهدف النبيل الذي يرمي إليه زعماء العشائر، ممثّلاً بقطع الطريق على مثيري الفتن والنافخين في كيرها، وفي الوقت نفسه تلبية ما هو مشروع ومحق من مطالب المتظاهرين .

المبادرة، كما يتضح من بنودها المنشورة، تتضمن تحقيق توازن مدني وعسكري في مؤسسات الدولة، وإصدار عفو عام عن السجناء، باستثناء الإرهابيين، والمتهمين بالفساد المالي، وكذلك تعديل قانون المساءلة، وتعويض ذوي ضحايا حادثة الفلوجة التي أودت بحياة سبعة متظاهرين .

إذا أريد لهذه المبادرة أن تنجح في احتواء التوتّر الإضافي الذي أضاف لهموم العراقيين هموماً أخرى، فإن على السلطة السياسية في العراق أن تدرك أنها لا تستطيع تجاهل احتجاجات آلاف العراقيين ضد التهميش والإقصاء والانتقائية . وإذا أرادت هذه الحكومة أن تهدئ الأوضاع وأن ينهض البلد ويبلسم جروحه ويتوحّد في مواجهة الأخطار المحدقة به، فإنها مطالبة بالبرهنة عملياً على أنها حكومة كل العراقيين .

زعماء القبائل بالمقابل وضعوا أيديهم على الجرح حين أقروا أن هناك دخلاء صعدوا على المنابر وباتوا يثيرون الفتن ويمارسون الشحن الطائفي، ويطلقون الشعارات المسيئة لهوية العراق ووحدته الوطنية، ويناشدون دولاً للتدخل في شؤون العراق، وكأن هؤلاء لم يتّعظوا من المآسي التي خلّفها التدخّل الخارجي الذي كانت ذروته احتلال العراق، ونسف هيكل الدولة وتفكيك جيشه الذي كان من أقوى جيوش المنطقة، ومن المؤكد أن هذا كان الهدف الأساس للغزو والاحتلال .

بعد مرور عشر سنوات على الغزو، بات العراقيون جميعاً مطالبين، أكثر من أي وقت مضى، ببلسمة الجراح التي خلّفها الغزو، وعمقها العنف الطائفي والأزمات السياسية وغذاها العنف المسلّح، ليتحول العراق إلى دفيئة للمفخّخات والقتل الطائفي والتفتيت المجتمعي، وإتاحة الفرصة للتدخّلات الخارجية المسيئة لعروبة العراق ووحدة أبنائه .

عندما يدرك الجميع أن مآسي الفتنة لا تستثني أحداً ولا تخدم أحداً، يعود العراق إلى عراقته، وتغلق الأبواب على أي جهة خارجية تفكّر بالتدخّل والعبث .