عبد الوهاب بدرخان


توقعات متواضعة... هذا هو التقويم المسبق السائد لنتائج زيارة مرتقبة جداً يقوم بها الرئيس الأميركي لإسرائيل، حتى أن إدارته نفسها تبنّت هذا لتتفادى إدخال الحدث في جدلية النجاح والفشل.

وأكثر ما يقال إنه يأتي ليستمع، رغم أنه يعمل أكثر مما يمكن أن يعرفه خلال الأحداث التي سيخوضها، ثمة عقدة تولدت لدى الإسرائيليين من خطابه في جامعة القاهرة في يونيو عام 2009، حين اختار أن يبلغهم من عاصمة عربية، وإنْ متصالحة معهم، ما ينبغي عليهم أن يفعلوه من أجل السلام: أن يوقفوا الاستيطان.

لم يستسغ نتنياهو هذا الأسلوب، تذرع بأن السياسات بين الحلفاء تدار على نحو آخر، واعتبر أن أوباما يريد أن يدِّشن طريقة جديدة في التعامل، لذا اتبع معه كل تكتيكات الصدّ والإحباط فضلاً عن تعمد الإفشال والاستفزاز وصولاً إلى تحريض laquo;اللوبيraquo; ضده، بل حتى إلى تأييد علني لمنافسه في الانتخابات الرئاسية.

غير أن المسألة لم تكن تقتصر على الشكل، إذ أن مضمون السياسة التي طرحها أوباما كانت تناقض تماماً البرنامج الحكومي لزعيم laquo;ليكودraquo;، ومحوره تهميش laquo;عملية السلامraquo; وركلها إلى درجة ثانوية، كما لو أنها لم تعد على جدول الأعمال الإسرائيلي، أي أنه اختار أن يخترع، أو يتخيّل، واقعاً آخر يعيش فيه. وهكذا وجد الرئيس الأميركي نفسه مع مبادرة جيدة لا يستطيع تسويقها ولا تطبيقها مع من يفترض أنه حليفه الاستراتيجي.

وليس فقط أن هذا الحليف رفض، بكل الأشكال الممكنة، التعامل مع هذه المبادرة، بل راح يمعن في تدميرها. ثم أنه ذهب بعيداً في الاتكاء على اليمين المتطرف ممثلاً، بأفيجدور ليبرمان، ليس فقط بالزيارة المفتعلة للاستيطان، بل خصوصاً في العمل على تدمير laquo;حل الدولتينraquo; بإضافة شروط مثل الاعتراف بإسرائيل laquo;دولة لليهودraquo; حصرياً، واعتباره هذا الشرط معياراً لازماً للسلام وملزماً للعرب وليس للفلسطينيين وحدهم.

عملياً، أدّت السياسة الاستيطانية إلى تعطيل المفاوضات، وإلى شبه عزلة دولية استشعرتها إسرائيل، لكن حكومة نتنياهو رأت أن الأهم، هو أن تُثبت اكتساب الأرض الفلسطينية التي تسرقها. أما المهم، في الوقت نفسه، أن الخلاف مع أوباما لم يؤثر قيد أنملة على منظومة المساعدات العسكرية والمالية، التي تتلقاها من الولايات المتحدة، بل إنها زادت وتعززت. وعنى ذلك أن السياسة التقليدية لواشنطن لم تتغير.

غير أن الخلاف مع أوباما انتقل إلى ملف آخر، هو البرنامج النووي الإيراني، وفيه انتهج نتنياهو هو أيضاً التحدي والابتزاز، لاعباً على خياري إما الضربة الإسرائيلية أولاً لإيران توريطاً لأميركا، وإما الضربة الأميركية أولاً بناء على التحريض الإسرائيلي.

وفي غمرة الاستعراضات الإسرائيلية، حصل أيضاً تعارض مع واشنطن في مقاربة التحولات العربية وكيفية التعامل معها، فرغم وضوح البعد الاستراتيجي المستقبلي لهذه التحولات، بقيت إسرائيل مصرّة على اعتبار أن هذا الحدث لا يستوجب أي إعادة نظر في سياساتها.

وينسب عديد من المحللين إليها مسؤولية السلبية التي تعاملت بها واشنطن مع الأزمة السورية، إذ ضغطت إسرائيل للإبطاء على النظام السوري، وكانت أول المشجعين للموقف الروسي، إلى أن بدأت أخيراً تعدّ لموقفها بعدما تيقن بأن النظام لم يعد قادراً على مناهضة المدّ laquo;الجهاديraquo; وكبحه فيما يزداد اقترابه من حدودها.

رغم التشاور والتواصل المستمرين بين واشنطن وإسرائيل، لا تعتقد المصادر القريبة المطلعة أنهما استطاعتا بلورة استراتيجية مشتركة إزاء المتغيرات. فثمة الكثير مما يدعو إلى التنسيق والتفاهم، ولعلّ هذا هو الهدف الحقيقي لزيارة أوباما، إلا أن إسرائيل نتنياهو لا تبدي أي استعداد للتعاون، أو على الأقل لتفهم أي تحليل أميركي أكثر شمولية من مجرد النظر إلى المنطقة من زاوية إسرائيل ومصالحها.

وبالنسبة إلى الأميركيين، لا يمكن استعادة مكانتهم ومصداقيتهم وحيويتهم، إذا لم يتوصلوا إلى تحريك كل الملفات في آن.

ما يبدو مؤكداً أن محور اهتمامات أوباما في زيارته هو سوريا وإيران، باعتبار أن الاستحقاقين ساخنان، كما أنهما متداخلان.

لكن استثماراً مجدياً للمتغيرات فيهما يستدعي بالضرورة إحراز تقدم على صعيد المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، لذلك سيكون بالغ الإساءة لأوباما أن يغادر المنطقة بشبه تفاهم مع نتنياهو في ما يخص سوريا وإيران، وبرضوخ لرفض أي تنازل لإحياء المفاوضات مع الفلسطينيين. هذا يعني، ببساطة - أن الولاية الثانية لأوباما ستبقيه أيضاً تحت رحمة نتنياهو وطعناته.