عاصم عبد الخالق

هذه السطور ليست دعوة للخروج علي الشرعية أو دفاعا عن تشكيل ميليشيات أو لجان حماية مدنية تحت أي مسمي لسد الفراغ الناجم عن غياب الشرطةrlm;.rlm; ليست هذه الكلمات دفاعا عن حق المواطن البسيط في الأمن, وهو حق أصيل من حقوقه الإنسانية الطبيعية مثل الطعام والمسكن والعمل والحرية.


عندما تضرب الشرطة عن العمل, بصرف النظر عن مشروعية مطالبها, فليس أمام المواطن إلا أن يبحث عن وسيلة يوفر بها الأمن لنفسه ولأسرته. وسواء تحرك في سبيل هذا بصورة فردية أو جماعية فلا يمكن إلقاء اللوم عليه. الحق في الأمن هو الحق في الحياة سواء بسواء, فهل سمعنا يوما عمن يلوم إنسانا لأنه دافع عن حقه في الحياة؟
منذ أن طرح بعض الإسلاميين فكرة اللجان الشعبية لتعويض غياب الشرطة سارع السياسيون والإعلاميون بشن هجمات عنيفة علي الفكرة وعلي الإخوان الذين اعتبروهم الداعم الأول لها. حذروا من انها ستكون البداية لتشكيل ميليشيات مسلحة ثم الحرب الاهلية فانهيار الدولة. هذه المخاوف والتحذيرات مفهومة ومشروعة, ولكن للأسف تجاهل هؤلاء السادة ان غياب الشرطة وامتناعها عن القيام بدورها هو السبب المباشر في إطلاق الدعوات لتشكيل هذه التنظيمات.
نسي المتحدثون من صالوناتهم الأنيقة واستوديوهاتهم المكيفة الحديث عن حق المواطن البسيط في الأمن. لم يخبرهم احد بحجم المعاناة التي يكابدها جراء الانفلات الأمني الصارخ. قطعان البلطجية والمجرمين السائبين حولت حياة الملايين من المصريين الي جحيم حقيقي. ومن لا يصدق عليه الخروج من وسط القاهرة والمدن الي أطرافها أو الأحياء العشوائية الفقيرة. أما القري النائية فقد اصبح الوضع فيها فوق طاقة البشر علي الاحتمال.
هناك طرق ومناطق واسعة في ضواحي العاصمة والمحافظات والريف لا يجرؤ انسان ان يسير فيها بعد الغروب. مناطق اخري اصبحت مغلقة تقريبا علي المجرمين. القلقون علي انهيار الدولة لا يعرفون ان وجود الدولة تآكل بالفعل في هذه المناطق. وان عصابات مسلحة تسيطر عليها وتفرض الإتاوات علي المواطنين المغلوبين علي امرهم. ماذا يتبقي من هيبة الدولة او سلطة القانون عندما تباع المخدرات علنا في شوارع بعينها, ويجاهر المجرمون بأفعالهم دون خوف.
سياسيو العاصمة لا يعرفون هذا وإذا عرفوا فلا يتردد الكثير منهم في التضحية بهذه الحقائق علي مذبح المصالح السياسية. يعتبرونها فرصة جيدة للهجوم علي الإخوان واتهامهم ليس بأخونة الدولة هذه المرة ولكن بتفكيكها. لم نسمع من هؤلاء السياسيين لوما واضحا لرجال الأمن الذين أضربوا عن العمل وهو ما جعل الدعوة لإيجاد بديل شعبي أمرا مطروحا.
الذي يجب ان يزعج السياسيين ومعهم الدولة والشرطة هو ان المواطن العادي الذي يكتوي يوميا بنيران الانفلات الأمني والذي يصحو وينام مذعورا علي نفسه وعرضه وأسرته وماله لن يتوقف طويلا عند تحذيراتهم من النتائج الكارثية لتشكيل هذا الميليشيات. سيعتبرها وسيلة يحتاجها ويفتقدها بشدة لاستعادة أمنه وسكينته النفسية.
بهوات القاهرة يملأون حياته صخبا وضجيجا لكنهم لا يشعرون بمعاناته. لا يعرفون كم يتعذب كل يوم لمجرد ان يعيش في سلام. يدعو الله ان يعود أطفاله سالمين من مدارسهم وان تنجو زوجته وأخواته من الذئاب البشرية. يتحدث هؤلاء المتكلمون بالفصحي عن انهيار الدولة بينما لا يفهم المصري البسيط كيف ان الاستعانة بمن يعيد إليه الامن سيؤدي لانهيار الدولة. وما قيمة الدولة وهو يعيش خائفا مذعورا.
عبر الفضائيات يطل عليه متحدثون عليهم آثار النعمة يحذرون من ميليشيات اسلامية علي غرار الحرس الثوري الإيراني بينما لا يفهم هذا المواطن المطحون بين الفقر والخوف ما الضير في وجود حرس إيراني او حتي استرالي اذا كان سيستعيد حياته الطبيعية.
هؤلاء البسطاء انتظروا الشرطة طويلا فلم تحضر, ثم جاء من يقدم خدماته البديلة. قبل ذلك غابت الدولة فقدم الاسلاميون الرعاية الصحية والطعام للفقراء, والآن يعرضون عليهم الأمن. فهل يتصور احد انهم سيرفضون لمجرد أن فلاسفة الفضائيات يهاجمون هذا العرض. متي تفعل المعارضة المدنية ما هو أكثر قيمة من الكلام والمظاهرات!