سامي الحكيم

لم تحرج البزّة العسكرية معظم الفتيات اللبنانيات، خصوصا عند معرفتهن انهن سيروين تجربتهن الجديدة والمميزة، فالحلم الذي رافقهن منذ الطفولة قد تحقق، والزيّ الذي يرفضه بعض الشباب والاهل على جسد الفتيات الرقيق والناعم، اصبح رمزا لهن، ويبقى السؤال الوحيد الذي يخطر في بالهن quot;لم لا تليق بي البزّة العسكرية؟quot;.

المؤهل الاول نظيرة يوسف، من الفتيات اللواتي نجحن في عملهن، وصفت تجربتها بـquot;الصعبةquot; بداية، ولأنها الصغيرة في البيت والمدللة، رفض اخواها التطوع في الجيش، فقامت بالخطوة الاولى بالسر، وحصلت على القبول إما رضى الاهل فجاء بعد اسبوع فقط، الفترة الاولى لخدمتها وصفتها باسبوع البكاء، وثمانية اشهر امضتها في الخدمة كانت السبب لتقبلها الواقع، فاعتادت على النظام، واليوم تعتبر هذه التجربة الصعبة ماضيا لا تندم عليه بل تنصح الفتيات بتجربته.
الغرابة في الشعور الذي يسيطر على نفوس الفتيات عند ارتداء البزّة العسكرية للمرة الاولى. فمجتمعنا الشرقي، ليس من عاداته انخراط الجنس الانثوي في الاعمال الشاقة، بغض النظر عن وظيفة المتطوعة داخل المؤسسة العسكرية، الا انها تقابل بالتعجب في معظم الاحيان. وتشير المؤهل يوسف إلى ان المجتمع يعتقد ان البزّة العسكرية للرجال فقط، اما اذا ارتدتها فتاة فهي quot;مسترجلةquot;، فتظهر ملامح الشك في انوثتها على وجوههم، الا ان حبها للبذلة العسكرية ارغمها على الاستمرار ومنافسة الرجال لاثبات نفسها، متسائلة quot;انا متعلمة ومتمكنة من عملي فلمَ لا يحق لي ان اقوم بالتطوع كأي رجل؟quot;.
الامر ليس صعباً، كما انه ليس سهلاً، فهي المؤهل الاول التي تعطي التعليمات للكثير من المتطوعين الرجال، وتلقت ردات فعل كثيرة، منها رفض الخضوع لأوامر سيدة، لكنهم تحت القانون، والاستجابة واجب.
اما المعاون ريتا طرابلسي فتقول ان لكل وظيفة وجهين مختلفين، الايجابي في وظيفتها كان العمل في ذاته، اما السبب فكان اطفالها. الواجب بالنسبة لعملها مهم الا انه يسرق من وقت اولادها أحياناً، على الرغم من شعورهم بالفخر عندما يقدم اصدقاؤهم المعايدات لامهم في عيد الاستقلال.

تفقد انوثتها

تقول المقدم الطبيب راغدة ابو حيدر انها كانت طبيب اسنان واليوم اصبحت ضابطاً، اي رمزا للقوة والفداء. امضت الاسابيع الاولى في غربة وصعوبة التعايش مع الواقع الجديد وعندما عادت الى المنزل بعد الخدمة شعرت بانها ملكت العالم باسره، وبات شعار quot;شرف تضحية وفاءquot; معها سمة لكل امرأة ورجل في علمها وعملها وفي حايتها الزوجية ايضا، كما ان نظرة الاعجاب من الناس زادت من ثقتها، مشيرة إلى ان لكل فرد عمله ولا يجوز ان يكون كل الرجال في ساحة قتال، او حتى لوجستيا في الداخل، وان الفتيات ايضا تتقاسمن الادوار، ولا بد من وجود فتيات ذات قوة وشجاعة لتقاتلن. اما بالنسبة لانوثتها فتعتبر انها ليست في الشكل الخارجي بل الرقة والحنان وطريقة التعامل هي معايير الانوثة، والبزّة العسكرية هي قالب انثوي تخفي الظواهر وتعطي ما بداخل الفرد، كما انها مريحة كأي لباس مدني آخر. والامر ينطبق على العسكرية المتزوجة، فتقول الرقيب الاول نسرين سيف الدين ان اطفالها يشعرون بالفخر عندما تذهب الى المدرسة بالبزّة العسكرية، والجيش ليس فقط لباسا بل مبادئ وحباً لخدمة الوطن.
لم يتغلب الطابع العسكري على الطابع الانثوي في الفتيات العسكريات، فالانضباط والمظهر المقبول ضرورات كل مهنة وتقول الرقيب داليا عبد الساتر ان من يولد وسط جو عسكري، لا يجد صعوبة بالخضوع لأي امر يكلف به، حتى لو كانت فتاة، فمن الجميل ان ترتدي الفتاة لباسا يوحدها مع الرجل لخدمة وطن وليس مؤسسة او شخص.


تقبل الفكرة

في الجهة الاخرى يقول الجندي ايلي معوّض ان القيادة كانت حكيمة عندما اختارت العنصر النسائي في الجيش، فكل عسكر مقاتل يحتاج قوات لوجستية تخدمه، وتؤمن طلباته، من مأكل وملبس وطبابة ومعدات، ولتأمين راحته النفسية ايضا، ووجود الفتيات ساعد في وضع العنصر الذكوري في اجواء مريحة. ويقول الرقيب موني الحلو انه يحبذ الزواج بفتاة عسكرية اكثر من مدنية نظرا لقدرتها على تحمّل المسؤولية والانضباط، وتقبل ظروفه في العمل، ومن الناحية المادية يؤمن الجيش حياة الفتاة، من طبابة وتعويضات التقاعد، بالاضافة الى ضمانات اخرى، ويضيف quot;كلنا تحت القانون ومن الطبيعي تبادل الادوار، فاذا كانت المرأة ذات قدرة ومسؤولية فلم لا اتقبل الاوامر منها؟quot;.