K.T. McFarland

يعتقد معظم المحللين أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قصد إسرائيل لأهداف ترتبط بالعلاقات العامة، في محاولة منه لتعزيز العلاقات بين البلدين، ولم يكن يسعى إلى تحقيق أي إنجازات في مسيرة السلام؛ لذلك حاول الحدّ من التوقعات مسبقاً. لربما بدأت الزيارة على هذا النحو، إلا أنني أعتقد أنها أدت في النهاية إلى خطوة مهمة.
ثمة إشارات إلى أن الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توصلا إلى نوع من التفاهم الخاص بشأن إيران. أظن أن أوباما أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لتقوم إسرائيل بكل ما تراه مناسباً لتردع إيران. وستمنح الولايات المتحدة إسرائيل الأسلحة المتطورة اللازمة لتوجيه ضربة وقائية ضد مواقع إيران النووية. لكنها لن تشارك في القتال. قال أوباما: quot;نساندكمquot;، إلا أنه لم يقل: quot;سنتعاون معاً جنباً إلى جنب في حال اندلع القتالquot;.
لا شك أن المؤتمر الصحافي المشترك بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء نتنياهو كان معبّراً: ففي آخر مرة التقى هذان القائدان، كانت لغة جسدهما باردة إلى حد تتوقع معها تشكل الجليد على النوافذ. فما كانا يتحملان الوجود معاً في الغرفة ذاتها، وبدل الحوارات الودية التي تترافق عادة مع اجتماعات البيت الأبيض، راح يعظ أحدهما الآخر ولم تفارق علامات الغضب محياهما.


ولكن خلال هذه الزيارة، كان لا بد من التساؤل عمّا إذا كانا الرجلَين نفسَيهما. فقد ظهرا فجأة كما لو أنهما ممثلان فكاهيان يقدمان عرضاً في أحد منتجعات منطقة quot;بروشيت بيلتquot; الأميركية، فراحا يطلقان النكات، ويثني أحدهما على الآخر، ويبتسمان باستمرار، فبدوَا بعيدَين كل البعد عن رجلَين انقض أحدهما على الآخر وراء الأبواب الموصدة.
لكن التبدل لم يقتصر على لغة جسدهما التي بدت أكثر وداً، فقد جاء ما قالاه أكثر دلالة... إليكم أربع نقاط لفتت انتباهي:
1- ذكر أوباما ونتنياهو كلاهما أن إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها بنفسها ضد أي خطر: سبق أن ذكرا كلمات مماثلة. لكنهما لم ينفكا يرددان هذا الشعار خلال هذه الزيارة، فكرراه مرات عدة، مستعملَين أحياناً الكلمات ذاتها. أعلن نتنياهو: quot;لا يمكن لإسرائيل أن تتنازل عن حقها بالدفاع عن نفسها لآخرين، حتى لو كانوا أعز أصدقائناquot;. أما أوباما فقال: quot;مهمتهم الأولى إبقاء شعب إسرائيل آمناًquot;.
2- توصلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية إلى تفاهم بشأن مدى اقتراب إسرائيل من امتلاك أسلحة نووية: أشار أوباما ومساعدوه في الماضي إلى أن القادة الإيرانيين لم يتخذوا بعد قرار تطوير أسلحة نووية، مع أنهم كانوا يخصبون اليورانيوم. لكن هذا تعارض مع تصريحات نتنياهو عن أن إيران بلغت العتبة النووية.
لكن أوباما صرّح هذه المرة: quot;يُعتبر تعاوننا الاستخباراتي في هذه المسألة (المشاورات بين جيشينا وأجهزتنا الاستخباراتية) غير مسبوق. فما من اختلاف كبير في تقييم بلدَينا المرحلة التي بلغتها إيران راهناًquot;. وقد ردد نتنياهو الأفكار ذاتها، قائلاً: quot;نتشارك في المعلومات. وقد توصلنا إلى تقييم موحدquot; بشأن عملية التخصيب النووية في إيران وبرامجها لتطوير أسلحة.
3- أقر كلاهما أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريان هذا التهديد من منظارَين مختلفَين. أعلن أوباما: quot;يختلف وضع إسرائيل عن وضع الولايات المتحدة. ولا أتوقع أن يتخذ رئيس الوزراء قراراً بشأن أمن بلاده ويرجئه بسبب أي بلد آخر، تماماً كما أن الولايات المتحدة لا ترجئ قراراتها بشأن ما تعتبره مهماً في مجال الأمن القوميquot;.
4- تحدث كلا القائدين عن استمرار المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل وتوسيعها، مع تعهّد أوباما quot;بالحفاظ على التقدم العسكري النوعي الذي تتمتع به إسرائيل (وهنا يكرر أيضاً) كي تتمكن من الدفاع عن نفسها بنفسها ضد أي خطرquot;: وفي حال غفل المراسلون عن أهمية هذا، ختم نتنياهو المؤتمر الصحافي بالقول: quot;أظن أنكم سمعتم لتوكم تصريحاً مهماً. لربما لم تتنبهوا له، لكني لم أغفل عنه بالتأكيد، فقد أعلن الرئيس أننا، بالإضافة إلى كل المساعدة التي قدمتها إدارته (مثل القبة الحديدية والتمويل المالي لإسرائيل خلال أوقات عصيبة جداً)، سنبدأ محادثات بشأن اتفاق لعشر سنوات يضمن مدّ الولايات المتحدة إسرائيل بالمساعدة العسكرية. وأظن أن هذا بالغ الأهميةquot;.
تبدو الخلاصة جيدة، تريد الولايات المتحدة منع إيران من تطوير سلاح نووي، إلا أنها لا ترغب في خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط لتحقيق هذه الغاية.
أخفقت المساعي الدبلوماسية والعقوبات. إذن، لنمنح إسرائيل الأسلحة الضرورية للقيام بهذه المهمة، فتوجّه ضربة قوية، نظيفة، تنتهي بسرعة، ولا تُضطر الولايات المتحدة إلى التدخل.
تكمن مشكلة هذا السيناريو في أننا لم نعرف بعد ما سيكون عليه رد فعل إيران. فماذا سيحدث في اليوم التالي للهجوم الإسرائيلي؟


سيُضطر النظام الإيراني إلى الرد أو يُرغَم على التخلي عن السلطة، ولا شك أن إيران ستأمر أعوانها في quot;حزب اللهquot; وquot;حماسquot; بإطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل من لبنان وقطاع غزة. ولكن ماذا إذا لم يتوقف الرد عند هذا الحد؟
ماذا إذا قامت إيران بمناورة ما في مضيق هرمز، مثل نشر الألغام في ممرات الشحن، التي تستطيع كاسحات الألغام البحرية الأميركية وحدها تنظيفها؟ قد لا يرغب أوباما في المشاركة في القتال، إلا أنه قد ينجر إليه رغماً عنه، لأن إسرائيل تستطيع بالتأكيد بدء الحرب، بيد أنها تعجز عن إنهائها من دون مساعدة الولايات المتحدة.
رغم ذلك، يعتبر البعض أن القتال قد ينتهي في غضون أيام، وأن العالم سيتخلص من أسلحة إيران النووية، لكن هؤلاء هم أنفسهم الذين قالوا إن حرب العراق ستكون أشبه بنزهة، لن تكلفنا الشيء الكثير، ستنتهي بسرعة، وستكون خسائرها محدودة.


لن أصدق ما يدعونه مرة أخرى؛ لذلك من الأهمية بمكان أن نجد مخرجاً من هذه الكارثة التي سنُضطر فيها إلى الاختيار بين قصف إيران والسماح لها بتطوير قنبلة. لا أنفك أفكر في الطريقة التي فاز بها رئيسي رونالد ريغان في الحرب الباردة من دون أن يُضطر إلى إطلاق رصاصة، فقد قلب الطاولة على الاتحاد السوفياتي بخفض مصدر عائداته الرئيس (النفط) إلى مستويات متدنية جدّاً اضطر معها إلى الرضوخ أو مواجهة غضب شعبه، أو حتى المجاعة.
بدأ الوقت ينفد، لكن ثمة أمرين يمكننا القيام بهما لتفادي حرب أخرى في الشرق الأوسط:


1- يمكننا إطالة الوقت: بالعمل مع إسرائيل البارعة في مجال التكنولوجيا، يمكننا أن نشن هجوماً آخر عبر شبكة الإنترنت على برنامج إيران النووي وبنيته التحتية. صحيح أن هذا لن يؤخر برنامج إيران العسكري النووي إلا لسنة تقريباً، لكننا نستطيع استغلال هذا الوقت لنطوّر مواردنا الخاصة في مجال الطاقة.
2- يمكننا تطوير مواردنا الخاصة في مجال الطاقة: إذا سرعنا مشاريع النفط والغاز الطبيعي الأميركية الجاهزة للتنفيذ، فسنتمتع خلال سنوات قليلة بالاستقلال في مجال الطاقة. وهكذا نملك ما يكفي من النفط والغاز الطبيعي لنسدّ حاجاتنا ونصبح أحد أبرز مصدري الطاقة في العالم. عندئذٍ، مَن يحتاج إلى نفط إيران؟ في هذه الحالة، سيسهل علينا فرض العقوبات على إيران، ما دامت البدائل الآمنة والبخسة الثمن متوافرة.
علاوة على ذلك، سيؤدي تطوير موارد النفط الأميركية إلى خفض سعر النفط، ما يترك دولاً مصدرة للنفط، مثل إيران (وروسيا)، من دون العائدات الضرورية لسد كلفة الإعانات التي تُطعم الشعب وتبقيه خارج الشارع. وهكذا في غضون فترة قصيرة، سينشغل النظام الإيراني بالتعامل مع المواطنين الإيرانيين الغاضبين. ولا شك أنهم سيستخلصون أن عليهم الاختيار بين أعناقهم أو الأسلحة النووية، وسيتخلون عن هذه الأخيرة طوعاً. وإذا لم يرضخوا، فسيُضطرون إلى مواجهة الشعب الإيراني، لا الجيش الإسرائيلي أو الأميركي.


إذا كنت محقاً وتبيّن أن أوباما أعطى نتنياهو فعلاً الضوء الأخضر ليقوم بما عليه فعله لردع إيران، فعلى أوباما، إذن، أن يعمل بنصيحته الخاصة ويدع قطاع الطاقة الأميركي يقوم بما عليه فعله لردع إيران.