سمير عطا الله

إلى الآن، لا أفهم تماما معنى laquo;التضخمraquo; أو laquo;التضخم المفرطraquo;. عام 1974 ذهبت أزور ابن صديق لي في الجامعة الأميركية في واشنطن، حاملا إليه أمانة من أهله. بدل أن يحدثني عن دروسه، أعطاني درسا أنه يعاني من غلاء المعيشة، لكنني لم أفهم الدرس لكي أنقل معانيه إلى أهله.

أعرف، طبعا، أن التضخم والركود والجمود، أشياء سيئة يتعلمها الطالب في الجامعة الأميركية في واشنطن. لكن كيف تحدُث ولماذا، فإنني أضع كل ثقتي في خبراء الاقتصاد وأترك المسألة لهم، بكل طيبة خاطر.

مع الوقت لاحظت أن التضخم مشكلة تعني ابن صديقي في واشنطن، ورجالا مثل صدام حسين وسلوبودان ميلوسيفيتش وأدولف هتلر. كل حرب تسرق منك ما وفرت على قارعة الطريق. وأحيانا لا ضرورة للحرب بل يمكن أن يحدث ذلك في سلام مثل الذي يعطيه روبرت موغابي لشعبه العظيم في زيمبابوي. ففي 2007 ndash; 2008 كانت الأسعار تتضاعف كل 24 ساعة، فكانت الحكومة تعالج ذلك بطبع الورق النقدي. وظلت تطبع إلى أن توقف الشعب العظيم عن استخدامها. وفي النهاية لم يعد أحد يكلف نفسه الذهاب إلى البنك المركزي. فقد بلغت نسبة التضخم شهريا كما تقول: laquo;أتلانتك مانثليraquo; الرقم التالي: 80.000.000.000 أما موغابي فكان، كما ذكرت لجنابكم غير مرة، يربح أيضا ورقة الفوز في اليانصيب، اللوتو.

رئيس محظوظ وبلد مسكين. والسياح أيضا محظوظون: غرفة الفندق مع الفطور، دولار ونصف في اليوم إذا كان الدفع بالدولار، وإذا قمت برحلة في القطار وأعجبتك فيه الستائر، لن تجدها في طريق العودة. لقد أخذها الموظفون كرواتب. بدل العملة يتبادل الناس الماعز أو الشراشف أو أشياء من هذا النوع لدفع أجور النقل. لا يحدث هذا في كوريا الشمالية لأن السياح ممنوعون من الدخول.

الريال الإيراني يصرف كل 40 ألفا للدولار. في لبنان ما قبل الحرب كان الدولار يساوي ليرتين و15 قرشا. بعد الحرب قفز إلى 3000 ليرة للدولار. وكانت الليرة اللبنانية تشتري فرنكين فرنسيين ونصفا، واذهب وتمتع في باريس. مطابع موغابي كانت تطبع ورقة العشرة ملايين دولار، زيمبابوي طبعا. ومطابع بلغراد أيام ميلوسيفيتش طبعت ورقة المليار دينار. وقيل إن مطابعه لم تكن تتوقف إلا بسبب laquo;حماوةraquo; الآلات.

نجل صديقي في الجامعة الأميركية في واشنطن، برغم خبرته - وتجربته - في التضخم، لم يكن يخيل إليه أن العالم سوف يختار طوعا العيش في عصر سلوبودان وروبرت (بوب، للأصدقاء)؟ ولكن هل هذه الأرقام خاضعة حقا لنظرية التضخم 80.000.000.000 في شهر؟ ناضل موغابي من أجل الاستقلال في مرحلة واحدة مع نيلسون مانديلا. ولا أحد يدري كم من العقود تحتاج زيمبابوي من بعده لكي يستطيع مئات الآلاف من أهلها الحصول على أكثر من قبضة من القمح في اليوم. كان هناك أمل بأن تصبح زيمبابوي سلة الغلال في جنوب أفريقيا. ثم جاء موغابي. ولا يزال. ولم يعد يطبع الدولارات. إما أن تستخدم أي عملة أجنبية تحملها، أو أن تقايض بالماعز ولبن البقر وشرشف السفرة وكرسي الجنينة.