وليد شقير

لا يقبل الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله للحظة واحدة أن يكون حزبه laquo;مربكاً أو في لحظة عدم وضوح أو ضبابيةraquo;، كما قال في خطابه ليل الثلثاء الماضي.

هل يعقل أن تكون رؤية الحزب وممارساته وتوجهاته غير مربكة، بعد هذا العرض المفصل الذي قدمه للأزمة السورية، وسبق أن قدمه في خطب سابقة على مدى السنتين الماضيتين، شارحاً تعقيداتها، متنقلاً بين مراحلها بأفكار متناقضة؟ وهل من العيب أن يكون الحزب مرتبكاً أمام ما يعتبره مؤامرة أميركية ndash; غربية ndash; عربية ndash; إسرائيلية laquo;لتدمير سورية كدولة وشعب ومجتمع وجيش وألا تقوم دولة مركزية فيها، بمعزل عن الحكومة التي تديرها، الحالية أم غيرهاraquo;، هذا إضافة الى هدف إخراجها من محور الممانعة؟

أليست عظمة المؤامرة هذه سبباً كافياً للارتباك، أم أن تفوُّق الحزب يتخطى قدرات البشر على التغلب على صعوبات من النوع الذي تفرضه هذه laquo;المؤامرةraquo;؟ أم أن تكرار السيد نصرالله في أكثر من خطاب سابق نفيه أن يكون حزبه مرتبكاً أمام ما تشهده سورية والمنطقة، هو دليل الارتباك بعينه؟

وإذا كان طبيعياً ومنطقياً أن يُظهر السيد نصرالله صلابة أمام ما يراه laquo;مؤامرةraquo; على سورية، فإن المرء يمكن أن يفهم حاجته الى تلك الثقة بالنفس أمام جمهوره وفي وجه خصومه حول قدرته على تجاوز خسارة خروج سورية من محور الممانعة، أي خسارة تلك الورقة التي تمتع بها النفوذ الإيراني الإقليمي، بحكم انشغال النظام فيها بالحرب الأهلية التي كان سبباً في تسعيرها.

في اتهامه ما سماه laquo;الاتجاه الأولraquo; الذي يقاتل النظام، بأنه راهن لسنتين على أنه آيل الى السقوط وأن الوقائع الميدانية أثبتت العكس، وهذا صحيح، تجاهل السيد نصرالله كم مرة أعلن في خُطبه هو أيضاً أن الخيار العسكري انتهى وأن النظام استطاع السيطرة على الوضع والأمور آيلة الى تسوية سياسية، وكم مرة قال في السنة الأولى أن الأمور مستتبة في حمص وغيرها موحياً بأن قوات النظام حسمت المعركة، لتعود الوقائع فتثبت العكس. نسي كم من موفدين له أبلغوا قيادات لبنانية أن الوضع في درعا أو غيرها سيحسم مع ساعات فجر اليوم التالي لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد وقواته، بينما حقق معارضو النظام تقدماً على رغم ضعف إمكاناتهم، ما اضطر الحزب و laquo;أصدقاءraquo; النظام الى أن يتدخلوا في شكل مكشوف مع مرور الأيام، مع وعد من السيد نصرالله بأن laquo;تضطر دول وقوى وحركات مقاومة الى التدخل الفعلي في المواجهة الميدانيةraquo;، وهو أمر باشرت طهران تحقيقه عبر استقدام مقاتلين مدربين من دول لها نفوذ فيها، من طريق العراق، وربما من طريق لبنان أيضاً، بذريعة وجود مقاتلين من جنسيات عدة يقاتلون مع laquo;جبهة النصرةraquo; والمعارضة.

هل تنسجم كل تلك المراهنات السابقة لـ laquo;حزب اللهraquo; على أن يتمكن جيش النظام من الحسم عسكرياً، مع قول السيد نصرالله: laquo;لم نكن في يوم ندعو النظام الى حسم عسكري حتى لو كان يقدر على هذا الحسم؟raquo;، وكيف يوصف نفيه وجود قوات إيرانية في سورية، وإشارته الى وجود خبراء، ثم ختمه عبارته بالإعلان أن هذا laquo;إما أساساً غير صحيح أو مبالغ فيه كثيراًraquo;، بغير الإرباك؟ فهو يحوّل السجال حول وجود هذه القوات الى مسألة عدد، هل هي بعشرات الآلاف أم الآلاف أم المئات، مقابل laquo;مبالغاتraquo; الآخرين، تماماً كما فعل حين تهكم على ما تبثه وسائل الإعلام عن أعداد قتلى laquo;حزب اللهraquo;.

بات الحديث عن إفشال النظام محاولات الحوار منذ بداية الأزمة وإحباطه الحل السياسي لمصلحة الحسم العسكري الموعود، لزوم ما لا يلزم، ولا حاجة الى تكرار القول إنه تقصّد عسكرة الانتفاضة السلمية ضده باستخدامه المفرط للعنف لوقف التظاهرات الحاشدة في المدن والأرياف السورية المطالبة بالتغيير. وحتى قبل أيام قليلة ابلغ الرئيس السوري حلفاءه اللبنانيين أنه قادر على الانتصار وأن إيران درّبت له ميليشيا من أكثر من 60 ألف مقاتل قادرة على الحسم وأكثرية الشعب تسانده.

في انتقاده فتاوى الدعوات الى الجهاد في سورية من قبل رجال دين سنّة، يذهب السيد نصرالله في خصومته مع زعيم تيار laquo;المستقبلraquo; سعد الحريري الى حد رفض الاعتراف بوقوف الأخير ضد هذه الفتاوى ويعتبرها laquo;تربيح جميلةraquo;، ويقول: laquo;لا أحد يقدم نفسه أنه مدني وحضاري...raquo;، وفي الوقت نفسه يقول إنه لا يريد مشكلاً في لبنان. فكيف يستقيم الأمران معاً؟

يخشى السيد نصرالله، laquo;فرض وقائع سياسية من خلال الوقائع الميدانيةraquo;، كما قال. ومصدر الإرباك أن الميدان السوري تغيّر حكماً، قبل أن يسقط النظام. إنه يقاوم الوقائع السياسية الجديدة.