راغدة درغام

laquo;لنraquo; الرئيس الأميركي باراك أوباما عبرت ركيكة ومبعثرة أمام رد الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; عليها بـ laquo;لنraquo; المكابرة. كلاهما توعّد، كل على نمطه: الأول بتردد وخشية توريط بلاده مباشرة في حرب سورية، والثاني ببلاغ أدلى به نيابة عن laquo;أصدقاءraquo; سورية تعهد فيه بجر بلده إلى الحرب في سورية منعاً لسقوط النظام هناك. عاد laquo;الخط الأحمرraquo; الذي أعلن عنه أوباما قبل سنة بأن استخدام السلاح الكيماوي في الحرب السورية سيغيّر laquo;قواعد اللعبةraquo; ويدفع الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في laquo;الخيارات المتوافرة لديهاraquo;. عاد إلى الواجهة مشروطاً بـ laquo;الحقائق المؤكدةraquo; بشكل قاطع كما قال الرئيس الأميركي الذي وقع في فلك توعده الكيماوي في سورية كما كان وقع في فلك وعده بأنه لن يسمح لإيران أن تصبح دولة نووية.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية قرأت بين سطور التوعدين احتمال اضطرار أوباما لتنفيذ أحدهما فقررت استباقه بتوعد laquo;حزب اللهraquo; له متحدثاً باسمها بلغة laquo;لن نسمحraquo;. هذا تصعيد نوعي يضع الرئيس الأميركي أمام امتحان واختبار قد يدفع به إلى مفاجأة الذين يراهنون على ضعفه وخوفه من الانجرار إلى المواجهة، أو قد يجعل منه شعاراً يهتف به laquo;حزب اللهraquo; عنوانه النجاح في إجبار الرئيس الأميركي على التراجع عن وعوده وتوعداته. إنها مغامرة خطيرة لطهران التي أوضح الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; أنها موقع أساسي على بلاغه رقم واحد في إطار التهديد باسم أصدقاء النظام في دمشق. روسيا قد تكون موقعاً بخط نحيف وليس بخط عريض لكنها على أي حال موقع على بلاغ التوعد والتهديد الذي أدلى به نصرالله رداً على وعد أوباما. هذا التطور المهم يضع العلاقات الثنائية والإقليمية على مفترق جديد قد يدفع نحو تصعيد نوعي عسكرياً أو نحو تفاهمات نوعية تضبط الأمور في سورية.

أولى المحطات هي دول laquo;بريكسraquo; التي أعطى السيد حسن نصرالله انطباعاً بأنه يتحدث باسمها برضاها عندما توعّد بـ laquo;لن نسمحraquo; بسقوط سورية في يد أميركا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية laquo;وأنا أقول هذا من موقع المعلومات والمتابعة التفصيليةraquo;. بالتأكيد عنى طهران بالدرجة الأولى وربما روسيا بالدرجة الثانية لا سيما وأن مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف كان جلس معه مطولاً مؤخراً.

فالعنوان الأساسي لما أسفر عنه لقاء نصرالله وبوغدانوف المغلق هو عنوان laquo;لن نسمحraquo; بسقوط نظام بشار الأسد الذي أخرجه إلى العلن أمين عام laquo;حزب اللهraquo;.

قد تكون الصين أقل حماسة لأن يرتبط اسمها بتوعد laquo;لن نسمحraquo; بسقوط النظام في دمشق أو بسقوط سورية في يد الولايات المتحدة الأميركية، إنما صمتها يعطي دفعة للذين يروجون أنها أساسية في محور الممانعة الذي يضم روسيا وإيران و laquo;حزب اللهraquo; ونظام الأسد. لعل الصين تود الاستمرار في المواربة في هذه المسألة مختبئة وراء صمتها، لكن معركة الـ laquo;لنraquo; والتوعد دخلت منعطفاً جديداً لن تتمكن بكين من الالتفاف عليه إذا دخلت الـ laquo;لنraquo; حيز التنفيذ. لربما حان للرئيس الأميركي استفسار الصين عن حقيقة مواقفها على عتبة معركة الـ laquo;لنraquo;. ولربما حان الوقت أيضاً لاستفسارٍ عميق من أعضاء الـ laquo;بريكسraquo; الآخرين الذين قد يكرهون أميركا إنما قد لا يرتاحون إلى الانتماء إلى محور الممانعة في معركة الـ laquo;لنraquo;. فهناك حدود لدول مثل الهند والبرازيل التي تفهم مثل هذا التحول النوعي وكذلك لجنوب أفريقيا وإن كان لدرجة أقل وأضعف. فهي قد لا تريد الانتماء إلى جبهة laquo;حزب اللهraquo; في المعركة على سورية.

الرئيس الأميركي كبّل توعده بجديد في laquo;قواعد اللعبةraquo; بإصراره على laquo;حقائق مؤكدةraquo; بشكل قاطع بأن الأسلحة الكيماوية استُخدِمَت في سورية. لا نعرف ما هي الخطط الطارئة التي أعدتها المؤسسة العسكرية الأميركية بعدما قطع الرئيس وعداً علنياً بأنه لن يبقى خارج اللعبة. نعرف أن إثبات استخدام الأسلحة الكيماوية ليس سهلاً. نعرف أيضاً أن لغة laquo;الخياراتraquo; تعني اتخاذ إجراءات عسكرية.

الإجراءات العسكرية قد تكون استئصالية (surgical) بمنتهى الحرص على عدم تسرب هذه المواد السامة. إنما السؤال الأخير في حال اتخاذ قرار التدخل العسكري هو: هل سيتوصل الرئيس الأميركي إلى قرار استئصال المفاعل الكيماوية أو إلى قرار استئصال مفاصل النظام في سورية؟

روسيا لن تسمح بقرار يصدر عن مجلس الأمن حتى وان ثبت استخدام النظام في دمشق السلاح الكيماوي بصورة قاطعة. فهي توعدت عبر laquo;حزب اللهraquo; وغيره بأنها لن تسمح بسقوط النظام. لذلك يتحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بلغة التحذير من استخدام المسألة الكيماوية ذريعة للتدخل العسكري. فموسكو عبرت أكثر من خطوط حمراء في المسألة السورية وهي جاهزة لعبور الخط الأحمر الكيماوي إذ اضطرت لذلك. قد تلح على النظام بإصرار أن عليه ألاّ يستخدم الأسلحة الكيماوية لأنها تغير laquo;قواعد اللعبةraquo;. لكنها ستقف معه وتحميه إذا استخدمها لأن بقاءه بات أولويتها.

قد تحسن القيادة الروسية - شأنها شأن الإدارة الأميركية ومعارضيها في الكونغرس - من سقوط الأسلحة الكيماوية في أيدي الجناح المتطرف في المعارضة السورية والتي تسميها الجماعات التكفيرية. ولهذا، قد يقدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره الأميركي صفقة العمل معاً لضمان Secure السلاح الكيماوي كي لا يصبح هذا السلاح مفتاح التدخل العسكري الاضطراري الذي لا يريده باراك أوباما أساساً.

بهذا يرفع بوتين عن نفسه تهمة تشجيع النظام في دمشق على استخدام كل ما لديه من وسائل كي يبقى في السلطة. بهذا، ينجح بوتين أيضاً في laquo;إنقاذraquo; أوباما من وعده وتوعده في الشأن الكيماوي بشقي النظام والمعارضة السورية. فكلاهما ومعهما laquo;حزب اللهraquo;، شريك في حلف الأمر الواقع ضد الجماعات التكفيرية وضد حصولها على أية أسلحة كيماوية. وهنا تتداخل الـ laquo;لنraquo; الكيماوية مع الـ laquo;لنraquo; المتعلقة بالنظام في الشام. وفي هذا قد تصبح laquo;لنraquo; المواجهة laquo;لنraquo; المدخل إلى المقايضات.

حتى الآن، تقع المعركة المذهبية السنية - الشيعية في حرب سورية بالدرجة الأولى. المعارك المذهبية تضطرم على نارٍ خفيفة في مختلف المنطقة العربية لكنها تتفجر بالدرجة الأولى، وعلناً، في الساحة السورية.

الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; هذا الأسبوع أخرج إلى العلن عزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحليفها laquo;حزب اللهraquo; على خوض المعركة في سورية ضد الإسلاميين المتطرفين أو الجماعات التكفيرية أو السلفيين - سمّهم ما شئت. المهم أن المعركة المذهبية بدأت في حرب سورية وهي مستمرة بقرار من مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي.

حلفاء الأمر الواقع الآن هم الرئيس الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين والمرشد آية الله خامنئي والسيد حسن نصرالله. إنهم في حرب على - سمّهم ما تشاء - laquo;القاعدةraquo; وأمثالها.

laquo;المقاومةraquo; وسلاح المقاومة بات جزءاً من الحرب في سورية - الحرب على الجماعات التكفيرية التي يتحالف فيها laquo;حزب اللهraquo; وإيران مع روسيا والولايات المتحدة.

laquo;المقاومةraquo; وسلاح المقاومة بات استخدامه مباحاً في الحرب السورية من أجل إبقاء النظام في السلطة. هذا من أهم عناوين خطاب السيد حسن نصرالله: سلاح المقاومة اللبنانية من أجل بقاء النظام في سورية. قالها بوضوح وعلناً بـ laquo;لن نسمحraquo; بسقوط النظام. وهكذا دخلت laquo;المقاومةraquo; التي قيل دائماً إن سلاحها موجه ضد إسرائيل ومنطق وجودها وتواجد سلاحها هو الخطر الآتي من إسرائيل، دخلت طرفاً في الحرب السورية لمنع سقوط نظام الأسد هناك.

فلقد قدّم الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; خدمة لكل من يعنيه الأمر بإيضاحه أين هي laquo;المقاومةraquo; وما هي صلاحياتها وكيف يُستخَدم سلاحها. وبالتالي على الذين استخدموا laquo;المقاومةraquo; درعاً وسيفاً لمنع الدولة والجيش اللبناني من الاستفراد بالسلطة والسلاح أن يفكّروا مليئاً في ما أوضحه laquo;حزب اللهraquo; علناً هذا الأسبوع. فبغض النظر عن مبررات مثل مقولة إخراج سورية من محور المقاومة ومعادلة الصراع العربي - الإسرائيلي، أن ما أصبح واضحاً هو دخول المقاومة معركة منع سقوط النظام في دمشق. بذلك، دخلت المقاومة اللبنانية طرفاً في الحرب الأهلية في سورية.

تدمير سورية مشروع جماعي لا يمكن لطرف واحد اتهام الطرف الآخر بالاستفراد به. أصبحت كلمة تدمير سورية مرادفة لـ laquo;همraquo; في أنماط مختلفة من الإنكار. laquo;لنraquo; اليوم تشكل تحوّلاً مرحلياً في هذه الكارثة التي وقعت بسورية لمجرد أن شعبها تجرأ وطالب بالإصلاح. الواضح الوحيد حتى الآن هو أن النظام في سورية laquo;لنraquo; يعود إلى ما كان عليه فهو أيضاً طرف أساسي في laquo;همraquo; الذين يدمرون سورية.