رشيد الخيّون

ختم ملتقى الإعلام العربي بدبي فعالياته بعد يومين (14-15 مايو 2013) من مجالس الحوار المسؤول والمناظرة المنفتحة، وإذا راجعنا التاريخ فسنجد أكثر العهود عطاءً ثقافياً وفكرياً هي التي أباحت مجالس المناظرات. حضر الملتقى إعلاميون وصحافيون وكُتاب وأهل الفن أيضاً. فالأخيرون في صُلب الثقافة. فمثلما نرى أن الحكومات التي شكلها الإسلام السياسي ترى في هذه الشريحة خصماً لدوداً، ليس لأن الإسلاميين جميعاً لا يطربهم الغناء ولا يجذبهم المسرح والسينما، إنما لأن وجوده في دولهم يؤثر على ادعائهم باسم الدين. فإذا تقدموا باحتضان الفن وأهله سيفقدون أهم واجهات الدعاية.

تعددت محاور الملتقى، وسأتناول محور laquo;صناعة الإسلاموفوبياraquo;، ذلك لمشاركتي فيه، وما خلف من نقاش ميز بين الاندفاع العاطفي ضد الغرب والتحليل الواقعي للظاهرة، فعندما تسمع من إسلامي الثناء على إرهابيين على أنهم حماة الإسلام، تشبك يديك على رأسك أسىً، وقد تصاب بالفوبيا وأنت المسلم!

الإسلاموفوبيا مصطلح ظهر في أواسط سبعينيات القرن الماضي، ثم شاع بعد قضية سلمان رشدي، وردة الفعل القوية، وفتوى الخميني (ت 1989) بقتله، وهو ما جعل الكتاب ينتشر انتشاراً واسعاً. ثم كثر تداول المصطلح عقب 11 سبتمبر 2001. أياً كانت الدوافع فـمصطلح laquo;الإسلاموفوبياraquo; احتل مكانه في الإعلام على أنه صناعة غربية للتعبير عن القلق من الإسلاميين. إلا أن ما يهم المعترضين على المصطلح أن الفوبيا ألصقت بالإسلام الدين لا السياسة، وهي مفردة طبية تعني الرُّهاب والهلع المرضي.

بلا شك، أنها مفردة جارحة للمسلمين، خصوصاً غير المعنيين بالعنف وجماعاته، وهم المصابون كغيرهم بهلع من المقاتل الجماعية التي يذهب بها الأبرياء، والتي يبررها فقهاؤها بما يُسمَّى laquo;التترسraquo;، وأحد أُصولها: laquo;إن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين، وخيف على المسلمين، إذا لم يقاتلوا: فإنه أن نرميهم ونقصد الكفار. ولو لم نخف على المسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضاً في أحد قولي العلماء. ومَنْ قُتل لأجل الجهاد، الذي أمر الله به ورسوله -هو في الباطن مظلوم- كان شهيداً، وبعث على نيته، ولم يكن قتله أعظم فساداً من قتل مَنْ يُقتل من المؤمنين المجاهدينraquo; (النجدي، مجموع فتاوى شيخ الإسلام).

وبطبيعة الحال، عاش ابن تيمية (ت 728 هـ) عصر غزو المغول لديار الإسلام، وكانت المدن والعواصم تتهاوى أمام الزحف الرهيب، وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع هذه الفتوى فلا يبرر قتل الأبرياء مهما كان الداعي، لكن أليس تفعيل هذه الفتوى، في هذا الزمن، يبرر وجود مصطلح laquo;الإسلاموفوبياraquo;؟ عندما يُقتل بها مجتمعون تحت قبة ضريح من الأضرحة التي تملأ وديان وسهول العراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر وغيرها، بعذر عدم جواز بناء الأضرحة، أو متعبدون داخل كنيسة على أنهم كفار، أو ضرب عاصمة غربية عشوائياً بتفجير قطارات مثلاًً.

عندما يُوقف سائق بوسط عاصمة غربية حافلته، ويقفل الأبواب على الركاب ويفرش سجادته داخلها لأداء الصلاة، سيصيب هذا المشهد الغريب الركاب بالفزع؟ ففي تلك اللحظة لا تفسر حركات المصلي، وهو يتهيأ للصلاة، بغير الاستعداد لتفجير حزامه الناسف! هنا هل يميز أولئك الركاب بين الإسلام، الذي قدم نموذجه سائق الحافلة، والمسلم عضو البرلمان البريطاني أو السويدي مثلاًً؟ طبعاً لا توجد فرصة لهذا التمييز، والعمليات الإرهابية عادة تُسبق بتلاوة الشهادة وعبارة laquo;الله أكبرraquo;! ومعلوم أن الصلاة تستهل بالشهادة والتكبير!

لكن هذا لا يعني أن يبرئ إعلاميون غربيون مِن الشوفنية، إلا أن تأثيرهم في مجتمعاتهم لم يمنع الدفاع عن شخص مثل أبي قتادة أو أبي حمزة، ولا يُميز المسلم في تقديم الخدمات عن غيره، مع أن المتشددين المستفيدين منها يُرضعون أولادهم بغض البلاد التي ستكون أوطاناً أصلية لأحفاد أحفادهم، فليس هناك من يفكر بالعودة إلى بلده الأصلي في حال من الأحوال، وقد نَعمَ بالحرية والمعاش. الخدمات التي يُصرف عليها من دافعي الضرائب وغالبيتهم العظمى من غير المسلمين.

هناك هاجس لدى المتشدد هو أن الأرض هي أرض الله، لكنه يعتقد أنها بلاد الإسلام، وبالتالي العمل على أسلمة ذلك المجتمع، ورفض كلِّ ما يخالف تدينه الخاص. فقد وصل الحال إلى أن طبيبة إسلامية تعيش بعاصمة غربية تسأل مرجعها الفقهي: هل يجوز لها إغاثة جارتها المريضة غير المسلمة في حال احتاجت لها؟ مع أنها أكملت دراستها هناك؟ فتخيلوا فداحة الخطب. هل ستُميز هذه الطبيبة عن بقية المسلمين في حالة نشر حكايتها؟ الجواب لا! خصوصاً الحدث إذا تكرر يغدو ظاهرة.

يرى الغربي أن العمل المنظم على نشر الإسلام يُهدد كيانه ووجوده، خصوصاً وهو ممنوع من العمل على نشر دينه ببلاد المسلمين؛ بينما يراها الشيوخ الدُّعاة نصراً للإسلام! بالتأكيد يعبر الغربي عن هذه الظاهرة بالإسلاموفوبيا، ويعتبرها الدعاة الإسلاميون صناعة غربية كاذبة ومعادية! سيقولون: يعيش في البلاد الإسلامية غير المسلمين، ونقول: نعم لكن أولئك أُصلاء في المكان، ومن غير المسيحيين لا تعد بقية الديانات تبشيرية، والمسيحيون أنفسهم عبروا عن أنفسهم بكيانات عرقية.

إن العبرة ليست بتكاثر المسلمين ببلاد الغرب، إنما بالنوعية التي تعبر عن روح الإسلام، فالعبارة الشهيرة تقول: laquo;رأيت إسلاماً ولم أرَ مسلمينraquo;! وبالحفاظ على المكاسب الاجتماعية بالديار التي اتخذوها مقاماً. فالحرية التي يتعبد في ظلها المسلم هناك سيفقدها لو أخذ كلٌ يبشر بدينه، لأن النزاع سيحتدم، وتعلن حرب العصبيات.

لقد باتت الإسلاموفوبيا تُهدد المسلم نفسه وببلاد الإسلام، في حكومات الإسلام السياسي، عندما يُطلق سراح قتلة متهمون باغتيالات وتفجيرات على أنها كانت جهاداً، ليس هذا فقط بل يصبحون هم السلطة؟ فكيف لا يُصاب المسلم نفسه بالإسلاموفوبيا! احسبوها جيداً، لستم أبرياء من الإعانة على اختراع المصطلح.

عندما نزلتُ من منصة النَّدوة اعترضني أحدهم شاتماً الغرب، وقائلاًً: أنت لا تعرف الإسلام، فأجبته: صحيح أنا أجهل إسلام بن لادن (قُتل 2011) والزَّرقاوي (قُتل 2006)! فقال: هؤلاء شيوخ! عندها قلت: اعذرني خطابك شريك في صناعة laquo;الإسلاموفوبياraquo;! هذا ما واجهني به ملتح عربي قيل لي إنه طبيب، فلم يكن هناك ما يمنع حضور الملتحين تديناً والمنقبات أيضاً، وإن إحدى المنقبات تسلمت جائزة في الملتقى.