أحمد عبد الملك


جَمعت دبي الصحفيين العرب من مشرق العالم العربي ومغربه في جو من الألفة والمحبة والتنافس الشريف في منتدى الإعلام العربي وحفل توزيع جوائز الصحافة العربية في الدورة الثانية عشرة للمنتدى.

كان الملمح الأهم في هذا التجمع السنوي حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم٫نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مرتين، مرة في الافتتاح ومرة في الختام، وإصرار سموه على الالتقاء بالصحفيين العرب ليسمع منهم ويستمعوا إليه. وخلال اللقاء الأخير تحدث سموه عن العلاقة بين القائد والفريق مشيراً إلى أن laquo;رأي الفريق أفضل من رأي الفرد، وقائد الفريق عليه التشاور مع أعضاء فريقه والأخذ برأي أي عضو قد يكون صائباً ومفيداًraquo;. وهذا الكلام يذكّرنا بما قاله الفلاسفة عن روح ومفهوم الديمقراطية وأثرها في إنجاح أعمال المجتمعات، وإن أي عضو في المجتمع يمكن أن يكون له دور في الإدارة والنجاح.

وبالنسبة لجائزة الصحافة العربية فقد قضينا ثلاث سنوات في مجلس إدارتها؛ خرجنا بذكريات جميلة، لعل أهمها إصرار laquo;نادي دبي للصحافةraquo; على النجاح، وبروز العمل الجماعي وحسن الإدارة في النادي، ما أعطى منتدى الإعلام العربي دفعة جديدة تتطور كل عام.

وما يمكن أن يقال عن هذا المنتدى أنه ليس للاستهلاك الإعلامي، وأنه يؤسس لإدراك ووعي بأهمية الإعلام الذي شابته بعض الشوائب، كما حدث مع فوضى الفتاوى -التي تحدث عنها في كلمته الرئيسية الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر- مشيراً إلى قنوات الفوضى والقنوات التي تصدر laquo;الفتاوى الشاذةraquo; وتجتهد في الدين من غير علم وفهم. واعتبرها من أهم ما يقلق في الإعلام العربي. ولقد لمستُ في كلمات الرجل هدوء العالم وعمق المجتهد وبعده عن التشنج والصراخ الذي غالباً ما نشهده في بعض من يعتلون المنابر. كما أكد شيخ الأزهر على laquo;ضرورة ممارسة حرية التعبير، بشرط التقيد بتقاليد ثقافتنا وثوابت مجتمعناraquo;. ودعا الإعلاميين الشرفاء أن يبينوا الصورة الحقيقية للشخصية العربية، كونها تتعرض للتشويه على يد رجال دين في الغرب.

وحَفلَ المنتدى هذا العام بنشاطات جديدة، منها على سبيل المثال: laquo;مذبحة الضاد... الإعلام شريكاً!raquo;. وللأسف، ورغم تباكي كثيرين على هذه المذبحة، إلا أنها مستمرة مع انتشار الفضائيات التي تعوّل فقط على الشكل لا المضمون، وتصرف الملايين على صورة المذيعة وديكورات البرنامج، بينما لا تلتفت إلى صَلبِ اللغة على مذبح الشهرة، وتسرّع المذيعات لارتقاء سلّم الشهرة دون أن تكون لديهن قواعد سليمة لاستمرار بقاء ذاك السلم غير متأرجح! ولقد أصبحت العامية -للأسف- من سمات العديد من الفضائيات ومحطات الـ(F.M)، وهذا مخالف لصيرورة التاريخ والثقافة العربيين، ولدور الإعلاميين في الحفاظ على هذه اللغة الراقية، بل أصبحت بعض وسائل الإعلام تهدم ليلاً ما يبنيه المربون نهاراً!

ومن الوقفات الجديدة في هذه الدورة (الإعلام الساخر... هل تتسع له صدور العرب؟). ورأى الإعلامي باسم يوسف، صاحب أحد برامج السخرية في الإعلام المصري، أن laquo;الجميع يتحدث عن الحريات، لكن عند حد التعبير لابد أن نلتزم الحدraquo;، وأكد laquo;أن من يضع سقفاً على حرية الشعوب والجمهور لا يتحدث عن الحرياتraquo;.

ورغم اقتناعنا بأن اللون الساخر مطلوب في الإعلام، إلا أننا نقف أمام معضلة حدود الوعي ومساحة التقبل في الشخصية العربية؛ فإذا سخرنا من قائد أضحى في ملف التاريخ، وكان فاسداً وظالماً، فهل يكون لنا نفس الحق في الحديث عن حاكم من نفس النوعية وهو مازال في الحكم؟ وهنالك من التشريعات التي تحظر التعرض للحاكم، وبالتالي تدخل الإعلامي السجن لسنوات. ولقد ربطت تلك التشريعات التعرّضَ للحاكم ولكأنه التعرّض للذات الإلهية، وفي ذلك ظلم كبير.

نحن نعتقد أن الإعلام الساخر ينشأ في بيئة إعلامية حرة، وكلّما زادت مساحة الحرية زادت مساحة الصورة الساخرة. وهذا يجب ألا يعفينا من الاعتراف بضرورة حفظ حقوق الآخرين وعدم استخدام الإعلام للاستهزاء بهم دون وجه حق، أو أن تكون السخرية وسيلة للحط من كرامة من يعارضوننا الرأي. وبذلك تتحول تلك الحرية إلى قيد على حرية الآخرين.

ومن المواضيع الهامة في المنتدى laquo;الخبر في زمن الطفرة الرقميةraquo;، حيث تم الحديث عن أن وسائل التواصل الاجتماعي لن تكون بديلاً عن الإعلام التقليدي. وبرأينا أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون رافداً إيجابياً إذا ما التزمت بالحياد والموضوعية دون أن تتضمن أجندات سياسية وأيديولوجية وشخصية على حساب أمانة الكلمة. وكثيرون يتداولون أخباراً في هذه الوسائل دونما وعي أو إدراك لمنظومة القيم الإعلامية، وبذلك لا يمكن أن تكون هذه الوسائل مصدراً موثوقاً للأخبار. كما أن مثل هذه الأخبار تفتقد إلى حُسن الصياغة والدلالة اللغوية واشتراطات كتابة الخبر الصحفي. كما أن انتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بالواقع السياسي لكل بلد. وهذا ما عبّرت عنه الكاتبة الليبية laquo;حاملينها البرعصيraquo; من أن هناك 20 قناة فضائية في ليبيا تعيش حالة فوضى، وسبب ذلك أن ليبيا افتقرت إلى المؤسسات على مدى فترة طويلة، ومازالت تفتقر حتى الآن. وأشارت الكاتبة إلى غياب الدستور والقانون، وإلى أن الرجال الذين كانوا مع القذافي هم سبب الفوضى حالياً. فإذا كان الأمر كذلك مع الفضائيات، التي يجب أن يسهل التحكم بها، فكيف يكون الحال مع وسائل التواصل الاجتماعي؟

قضايا توطين الإعلام، والإعلام الإلكتروني، وتوجيه الإعلام للغرب، والفن والإعلام... من القضايا التي حَفل بها المنتدى هذا العام.

وبرأينا أن تطوّر laquo;المنتدىraquo; وتحفيز الإعلاميين العرب على بذل المزيد من الجهد والإبداع للفوز بجائزة الصحافة العربية، واللقاء السنوي في المنتدى، فرصة كبرى لتعارف الإعلاميين العرب وتبادل الآراء وكسب الخبرات.

وإذا كنا نقول شكراً لنادي دبي للصحافة، فإننا لا ننسى أن نقول: شكراً لدبي، ومن القلب.