عدنان سعد الزعبي

ما حصل يستحق التوقف عنده طويلا، ولا يجوز أن نقلب الصفحة ونختزلها لمجرد اعتذار سري وعلى حياء من وزير الخارجية العراقي وعبر الهاتف لوزير خارجيتنا ليتلوا الاعتذار بعد أن استسمح زيباري بتكراره تحت قبة البرلمان ، ولكن هناك جملة من الحقائق لا بد من ذكرها :-
الحقيقة الاولى أن العلاقة الاردنية العراقية التاريخية والمصالح الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية والديمغرافية والقومية لا يمكن أن تتأثر وتتقزم بحادثة المركز الثقافي الملكي . فاعتداء اعضاء السفارة الذين نعرف انتماءاتهم وتقاريرهم التي تذهب يوميا لمختلف الفئات والاجهزة حتى والاحزاب العراقية لا يمكن أن ينجح في إشعال فتيل الخلاف والفرقة بين الاردن والعراق .
الحقيقة الثانية أن اقامة نشاط حول المقابر الجماعية لا وجود له في اجندة العراقيين لإدانة النظام السابق أولا ، وعدم إخبار الخارجية العراقية أو الاردنية ثانيا ، والتركيز على الدعوة المفتوحة، خاصة أن السفارة تدرك أن ما يزيد على 90 % من الفعاليات السياسية والمهنية في الاردن تؤيد الرئيس الراحل صدام حسين ، ثالثا عدم ابلاغ الاجهزة الامنية للتحوط من أي مكروه ، رابعا كلها مؤشرات واضحة لوجود نوايا مبيَّتة وغير سليمة.
ماذا قصدت السفارة من هذا الحدث الذي نفذت تعاليمه بكل دقة ؟ فالإساءة للعلاقة الاردنية العراقية مطلب من اجهزة المخابرات لعدد من دول العربية وغير العربية ، وإن تضييق الخناق على المالكي في امتداده للاردن كمتنفس أخير، وكذلك محاصرة الاردن بخصوص المشاريع المنوي تنفيذها مستقبلا كل ذلك يجعل كفة الميزان تميل نحو الاساءة لهذه العلاقة وبأي ثمن كان ؟ لكن ...؟!
لماذا تهان كرامة الاردني في عقر داره ، وهل القضية بدأت من حادثة المركز الثقافي ، أم أن هذه الحادثة هي نتاج واضح لسلسلة من التراكمات التي أودت بالحرس واعضاء السفارة للتمادي في اهانة الاردني في المركز الثقافي؛ حيث صور الملك والعلم الاردني ؟ وهل ذكاء وعلم ومعرفة السفير العراقي المعروف بدهائه لم تسعفه في ادراك سوء التصرف وضخامة العواقب ؟ ولكن لماذا تجرأ أركان السفارة وبلا مبالاة ؟ ولماذا لم تردعهم هيبة الدولة وكرامة المواطن الاردني وكأنه لا كرامة له .
جوابي يكمن في الحقيقة الثالثة ، وفي الصورة التي يحملها هؤلاء العراقيون عن المواطن الاردني ، في ضوء ما يشاهدونه يوميا من رجالات سياسة ووزراء ورؤساء حكومات سابقين وهم يتسارعون لنيل رضا رجال المال العراقيين في الاردن. فكيف سيحترموننا ووزراؤنا يعملون مدراء ماليين عند بعض التجار العراقيين. ناهيكم عن التقرب المهين الذي يبديه بعض رؤساء الحكومات السابقين من هؤلاء التجار للحصول على صفقة أو دعم أو تسهيلات . كيف سيحترموننا ، وهم يرون أجهزتنا الامنية ايام محمد الذهبي يحرسون تجارا عراقيين ، وأن بعضهم يتمتع بحصانة لا يتمتع بها نوابنا أو وزراؤنا أو حتى رئيس وزرائنا . ؟ الحقيقة الرابعة ، القول إنه عندما يرى اركان السفارة علية القوم في الاردن يتهافتون على تجار العراق العشرة لنيل الرضا ، ويمنح احد وزراء الداخلية ما يزيد على 15 الف جواز سفر اردني خالص لهؤلاء ، وبالمقابل فإنهم سوف لا يحترمون كرامة المواطن الاردني ، وعندما يجد اركان السفارة أن عددا من كبار المنظِّرين السياسيين الذين يصفِّقون لصدام كانوا يحصلون على كوبونات نفط عراقية ، وأن عددا من المنظِّرين السياسيين أو النواب أو الوزراء أو الشخصيات ذات الاصوات العالية الان يتهافتون على هؤلاء التجار إما شاكرين لهم تبنيهم لحملاتهم الانتخابية أو لتقديم الولاء وعرض الخدمات ، وبالنتيجة فإنهم سوف لا يحترموننا ، وعندما يروا أن نوابا ووزراء يعملون سماسرة أو بالقطعة عند التجار العراقيين فإنهم لن يحترمونا .
كيف سيحترم طاقم السفارة كرامة المواطن الاردني ، وهم يرون كيف تهان كرامة الاردني ، وهو يبحث عن لقمة عيشه من مكتب لمكتب ومن شركة لشركة مقدما التنازلات والتنازلات ؟ أو موظف يستنجد للحصول على زيادة لا تزيد على ثمن أسطوانة الغاز؟ دون اكتراث من الحكومة ؟ وان البخشيش الذي يقدمه اركان السفارة وهم ثملون في سهرات الحانات والنوادي الليلية يفوق رواتب مؤسسة بحالها ؟ كيف سيحترمون كرامة المواطن ، وقد غيّب المواطن في بلده ، وخدع في مسيرته ، وبات حافي القدمين عاري الجسد يستر عورته بشهامته ، وما تبقى له من الكرامة التي يحاول اصحاب المصالح والفاسدون وعديمو الكرامة في الوطن بعثرتها وتعريتنا؛ لنكون مناظر لكل السكارى والثملين واللقطاء ؟
لا نريد خطابات ولا جعجعات في مجلس النواب، ولا استعراضا أجوف من الحكومة ، واستبسالا فارغا مكشوفا ، نريد اجراء عراقيا صارما بحق هؤلاء لإنقاذ ما تبقى لنا من كرامة بسحب السفير وأركان السفارة المتورطين خاصة أن الصحف العراقية خرجت لتقول إن المالكي وزيباري سوف يكرمان أعضاء السفارة والسفير على ما فعلوه ؟! فمن نصدق ومن نكذب ؟!