جاسر عبد العزيز الجاسر

مستفيدة من التراخي الأمريكي والتسليم لها ولحليفتها ايران، تقدمت روسيا خطوة أخرى لتأكيد حضورها القوي في المنطقة العربية، وتأكيد استعدادها لاحتلال المواقع الغربية التي تشفر نتيجة ضعف الاهتمام الغربي، أو تأثير الأزمة الاقتصادية، إذ أعلنت روسيا استعدادها لارسال قوات للانضمام إلى قوة الفصل الدولية بين الكيان الإسرائيلي وسوريا في هضبة الجولان، وبدلاً من القوات النمساوية التي انسحبت من القوة بحجة التهديد الذي يتعرض له أفراد القوة الدولية، وتنفيذاً لتهديدها للاتحاد الأوروبي بأنها ستسحب مساهمتها في القوة الدولية بالجولان إذا ما رفع الاتحاد الأوروبي حظر السلاح المرسل إلى ثوار سوريا. طبعاً لم يتم إرسال السلاح الأوروبي للثوار، ولكن النمسا ستسحب قواتها، وانتهزت روسيا الوضع وعرضت تعويض القوات النمساوية المنسحبة، إلا أن مجلس الأمن الدولي رفض العرض الروسي.

التحرك الروسي حتى وان لم يحظ بموافقة مجلس الأمن الدولي إلا أنه يكشف ديناميكية الروس لاستغلال التردد الأمريكي خاصة والغرب عامة، الذين وبعد أن شبعوا من الخيرات العربية من مواردها التي نزفت أثناء فترة الاستعمار وما بعده، ومن أسواقها التي استقبلت ملايين البضائع، وورطت العرب في الكثير من المشاكل والأزمات ومن أهمها زرع إسرائيل في قلب المنطقة العربية، ومنح الاحواز لامبراطور ايران سابقاً، تترك الساحة للغريم السابق روسيا الذي يصوغ تحالفاً مع نظام الملالي في طهران، ليحل محل الأمريكيين مثلما حل هؤلاء محل البريطانيين والفرنسيين، وكأن المنطقة العربية منطقة مستباحة يتبادلها أصحاب الأطماع من القوى الدولية التي وجدت حلفاء من دول الجوار.

الروس الذين لا يخفون أطماعهم بالتمدد للمياه الدافئة وجدوا في الحليف القابع في طهران أفضل من ينفذ استراتيجياتهم في مواجهة القوى الغربية التي أصبحت عازفة عن البقاء في المنطقة العربية، بعد أن أمنت بقاء الكيان الإسرائيلي الذي وان أظهر حكام طهران صخباً وحروبا اعلامية مع إسرائيل إلا أن الحقيقة والتاريخ يؤكدان أنه لا إيران ولا إسرائيل جادتان في خوض مواجهة مسلحة بينهما، فحتى إسرائيل لم يسبق لها أن سبقت عدوانها بتهديد، كما هو في جميع اعتداءاتها على الدول العربية، فتدمير مفاعل تموز في العراق لم يسبقه تهديد، وكذلك العدوان الثلاثي على مصر، وحرب الأيام الخمسة في حزيران لم تهدد اسرائيل قبله، أما مع إيران فلا تزال اسرائيل تهدد بتدمير المنشآت النووية دون أن تنفذ، وحكام ايران يهددون بإزالة اسرائيل من الخارطة، ومع هذا فالتحالفات والتفاهمات تتم على حساب العرب، وان تغير اللاعبون الكبار من أمريكا إلى روسيا.