جاسم بودي


لنكن صريحين في مقاربة الأمور ونحلل بهدوء وموضوعية كون الجميع معنيا بما سنقول.
حصلت أزمة سياسية. تفاوت زخم التحركات المعارضة وتباينت توجهاتها فتارة وجدنا الخطاب العقلاني الهادئ وطورا وجدنا الخطاب التصعيدي وصولاً الى قطع الطرق أحيانا. تفاوتت في المقابل تحركات السلطة فتارة وجدنا أخطاء في القرارات وطورا وجدنا خطايا في ردود الفعل وصولا الى التهدئة وفتح أبواب الحوار... وفي كل ما جرى كان الطرفان، السلطة والمعارضة، داخل إطار الصيغة الكويتية مهما بلغ حجم الجنوح الى التطرف.
إنما في كل ما جرى أيضا وجد استثناء لابد من التوقف عنده لانه لم يعد تفصيلا كونه يتجاوز الثوابت والعقود والعهود أملا بصيغة اخرى لا علاقة لها بما نعرفه.
نشرح ونبسط...
المعارضة تاريخيا، جزء لا يتجزأ من حياة الكويت السياسية. فحيث تكون السلطة مولودة من رحم عقد وعهد لا بحد السيف يكون التوافق والحريات والديموقراطية والدستور. هناك سلطة ومعارضة. حكومة ورقابة. تنفيذ وتشريع. قرار ومشاركة...
مهما اشتدت الخلافات إلا أنها تبقى تحت سقف الصيغة التي تشكل صورة الدولة والمجتمع.
والمعارضة تاريخياً، سبب أساسي في تقدم الحياة السياسية الكويتية. استطاعت انتزاع حقوق كانت اطراف في السلطة تحتكرها وترفض مبدأ مشاركة الآخرين لها. وبكل الفخر الموجود في الكرة الارضية بأسرها نستذكر تجربة الغزو العراقي للكويت حيث كانت الازمة السياسية تعصف عصفا ومع ذلك لم يجد الغازي اي شخصية معتبرة تقف معه بل التفت المعارضة حول قيادتها الشرعية في مؤتمر جدة مؤيدة لتحرير الكويت بكل الوسائل ومن دون أي شروط أو ملاحظات أو مواقف شاذة أو laquo;تنظيرraquo;.
هذه المعارضة تثق بشعبها وشعبها يثق بها. جربته وجربها. لا غبار على وطنيتها بل بعض من فيها يعطي الدروس في الوطنية.
هذه المعارضة التزمت الثوابت. عملت تحت سقف الصيغة. هذه المعارضة لا يخاف الكويتيون منها... بل يخافون عليها.
لماذا؟
هنا دعونا أن نكون أكثر صراحة لأن المسألة تتجاوز السجال السياسي أو المطالب الاصلاحية.
لا شك أن الجميع يعرف بأن في الكويت وغير الكويت تنظيما أو تيارا أو حزبا أو حركة (تعددت الاسماء والمضمون واحد) يعتنق عقيدة لا تتعارض مع الهوية الوطنية في رأيه لكنه يعتبرها أسمى وأهم ولها الاولوية. نظريا الكلام يصح لان الرسالات السماوية أسمى من الانتماءات laquo;الارضيةraquo; إنما الكلام لا يصح عمليا اذا تم توظيف الدين في السياسة وصار معبرا لاستخدامه في المصالح الخاصة وصولا الى laquo;التجارب الخاصةraquo; وlaquo;الانظمة الخاصةraquo;.
هذا التيار فكره أممي عابر للوطنيات، يعترف بالحدود العقائدية اكثر من الحدود الجغرافية. ويمكننا القول إن مواقفه لابد وان تتأثر بمواقف القيادة العامة الدولية له. هذا ما حصل في فترة الغزو العراقي للكويت حيث انفرد هذا التيار بمواقف متناغمة مع مواقف التنظيم الام لجهة تفضيله التحرير بوسائل اخرى غير قوات التحالف الدولية، وهذا ما حصل بالنسبة الى الموقف من ملفات اقليمية كثيرة.
اضافة الى ذلك فان هذا التيار لا يخفي ان هدفه كحزب سياسي هو الوصول الى السلطة. نظريا وعلميا أيضا الموضوع سليم جدا بل ان هذا التيار يملك شجاعة الافصاح عن امتلاكه لمشروع حكم متكامل على قواعد واضحة، لكن بالنسبة الى الكويت فان التيار مضطر للتكيف مع خصوصيات معينة لا تستقيم معها معادلات تداول السلطة كون الحكم هو لاسرة الصباح وفق عقد وعهد. لذلك فهو يستنبط أسلوبا للتحرك يبقيه على تماس مع اهدافه ولو بشكل غير معلن، فان تبدلت الظروف كان جاهزا، وان حصلت تغييرات كان مساهما، وان اتسعت المعارضة كان فاعلا ومستفيدا كون التنظيم الذي يمتلكه يتفوق على الجميع بهيكليته وقدرته على الحشد والاستقطاب... بل يذهب بعض القريبين من هذا التيار الى القول ان قدراته التنظيمية في كل المجالات (التعبوية والشعبية والاقتصادية والتربوية والادارية) اكبر من ان تستوعبها دولة فطرت laquo;على البركةraquo; مثل الكويت.
ويعرف هذا التيار ان قدرته على التغلغل داخل شرائح اجتماعية معينة، كما حصل في دول عربية اخرى، مهمة صعبة جدا في الكويت، خصوصا لان الكويتيين ليسوا جياع كرامة ولا جياع خبز ولان الوضع المعيشي المتدهور لابناء المجتمعات العربية الاخرى الذي مكنه من الحضور والاستقطاب والعطاء وتأمين ما عجزت الدول عن تأمينه غير موجود في الكويت وبالتالي لا يمكن استثمار حاجات الناس في التوظيف السياسي.
لكن حتى الذين يختلفون مع هذا التيار لا يملكون الا الاعجاب بقدرته على توزيع الادوار، فهو يطلق شعارات يرددها حتى من هم خارج التيار، مثل الحديث عن ربيع عربي في الكويت أو عن laquo;اهتزازraquo; العقد مع الحكام أو عن تحريض فئات شبابية على التصعيد، وفي المقابل يعطي قياديون آخرون في التيار نفسه خطابا مختلفا فيؤكدون الحرص على laquo;العقدraquo; ويستنكرون جنوح الشباب الى التصعيد. بعضهم يقسم انه لن يخوض الانتخابات المقبلة اذا جرت بالصوت الواحد وبعضهم الآخر يؤكد في مجالسه انه سيخوضها ولو جرت بالصوت الواحد.
طبعا، الكويتيون الذين يعرفون ان بلدهم يعيش ربيعا دائما لا مكان فيه لخريف يحرم الناس من التعبير والخبز يعرفون ايضا ان هذه الشعارات انما تعكس اجندة سياسية لهذا التيار ولا تعكس حقيقة سياسية.
والكويتيون الذين يعيشون تحت سقف الصيغة والعقد انما يدركون ايضا أن هذا التيار هو المرشح الابرز مباشرة أو مداورة للاستفادة من اي توتر أو تغيير.
تبقى نقطة، وهي تحالف هذا التيار مع بعض شيوخ الاسرة وخصوصا المستعجلين منهم اصحاب الرؤية القصيرة. هذا التحالف انما هو مصلحي للاستفادة من عباءة الشيخ كمرجعية حماية، وتعيينات الشيخ خصوصا اذا تسلم حقائب وزارية حيوية يترسون جماعتهم فيها، ومنابر الشيخ لتمرير هجومهم الاعلامي على الناس لإخافتهم أو تحييدهم... قياديو التيار يضربون بسيف الشيخ فترة ثم يضربون سيفه بعد فترة ويكون اول ضحاياهم ليكتشف كم اساء الى الاسرة والحكم والبلد وكم كان قاصرا في الرؤية والتجربة.
حمى الله المعارضة الكويتية، وحمى الكويت، وحمى الوحدة الوطنية، وحمى المطالبين بالاصلاح الحقيقي، وحمى صيغة الحكم التي لا نرضى عنها بديلا... أما هذا التيار فندعو الله ان يحميه من نفسه وان يراجع تجربته وان تكون الكويت اولا في حساباته.