محمد سلمان العبودي

إذا كان مجرد الصمت يعتبر في بعض الأحوال غدرا، فكيف بمن وعدك ثم أخلفك الوعد؟

هذا هو حال الجيش السوري الحر. الكل توهم بأن العالم العربي وقف معه في الحرب الدائرة هناك ضد النظام القائم منذ أكثر من عامين. لكننا تعلمنا من أحداث فلسطين ولبنان والعراق بأن العرب بقدر ما هم كرماء إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليهم في حل قضاياهم الكبرى.

نحن نعترف بأن العرب لم يعودوا يداً واحدة، وأن كل كيان عربي يعتبر نفسه مستقلا عن الكيانات الأخرى في جميع النواحي، ولكل دولة عربية نظامها المختلف تماما عن الأخرى. وبالتالي، يصبح الإنسان العربي غريبا خارج حدود بلده حتى ولو سافر إلى دولة عربية جارة له. بمعنى آخر: لم يعد هناك وطن عربي واحد من المحيط إلى الخليج.

عند هـذا الحـد، يولـد الإنسـان العربي وفي أعماقه شعور متناقـض بين انتمـائه إلى العرب وانفصاله التام عنهم. وتحول هـذا الشـعور مـع مـرور الوقت إلى أمر اعتيادي بالنسبة للدول التي تعيش في سلام واستقرار، بينما تحول إلى ضغينة وحقد وكـره وشعور بالخيانة بالنسبة للشعوب التي وجدت نفسها لسبب ما تحت رحمة نيران قذائف العدو (سواء أكان عربيا أو أجـنبيا) بينما ظل (أخوتهم في الدين والدم) يتفرجون على مذابحهم ويكتفون بالهتافات والشعارات الفارغة التي لا تسمن. ولطالما شاهدنا على شاشات التلفزة صراخ النساء والشيوخ بصوت عال متساءلين (أين العرب عنا؟)

الحقيقة الكل يسمعهم ولكن لا أحد مستعد للتضحية بنفسه من أجلهم حتى تدور عليه الدوائر. لذا أحس الكويتيون بمعاناة الفلسطينيين عندما احتل صدام بلدهم، ثم أحس العراقيون بآلام الكويتيين عندما كانوا يطلبون نجدة العرب.

ولا أحد يرد عليهم، وعندما ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية بحممها على لبنان شعر اللبنانيون بمدى الألم العراقي تحت وابل القنابل التي ألقتها عليهم الطائرات الحربية الأميركية، ويعيش السوريون هذه الأيام نفس أحزان اللبنانيين وهم يشاهدون بلدهم تتحول إلى أنقاض وشعبهم يتشرد كما تشرد الفلسطينيون والكويتيون قبلهم. وهكذا.

غير أن مصيبة الشعب السوري لها وجه آخر. ففي الوقت الذي يتناحر فيه الأخوة السوريون فيما بينهم لاختلاف في المذهب وفي المعتقد، ظلت الدول العربية كعادتها متفرجة على مسرحية دموية متكررة، بينما تملك كل القوة المادية والمعنوية والعسكرية لإيقاف هذا النزيف الأخوي، وظل الغرب ولأول مرة منقسما حول نفسه.

فالولايات المتحدة تعبت من فشلها المتكرر في حروبها مع المسلمين، وفرنسا وبريطانيا أصبحتا تهددان وتتوعدان أمام عرين الاتحاد الروسي دون الجرأة على اتخاذ قرار حاسم، ناهيك عن الوضع الاقتصادي السيئ في كلا البلدين ومدى خطورة التدخل في بلد تقع على حدوده إسرائيل التي فيما لو هوجمت سوريا قد يتم توريطها رغم أنفها في حرب استنزاف طويلة الأمد من الشرق من جهة سوريا ومن الشمال من جهة حزب الله.

وإسرائيل تعرف جيدا مكر حزب الله في إدارة حروب العصابات وما يملكه من أسلحة يبدو أنها قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي. لذا فضل الغرب التفرج والاقتصار على مشاهدة سلاح حزب الله يتجه نحو سوريا وليس نحو إسرائيل.

وهكذا وقع محاربو الجيش السوري الحر على الجبهة ولسوء حظهم بين كماشتي جيش النظام المدعوم من مقاتلي حزب الله وخبراء إيرانيين وحماية ودعم لوجستي روسي، وبين صمت العرب وهم يتفرجون عليهم متخلين حتى عن دعمهم اللوجستي في الوقت الذي مازالت فيه المعارضة منقسمة على نفسها.

لقد أبلى الجيش السوري الحر كما شاهدناه على شاشات التلفزة بلاء نادراً في مواجهة الآلة الحربية السورية ولو وفوا بوعودهم من شجعوهم في البداية على القتال فلربما سقطت دمشق.

الجيش السوري الحر ما هو إلا ضحية جديدة لتخلي العرب عنهم كما تخلوا عن غيرهم من قبل، وضحية لانشغال أحزاب المعارضة السورية في الخارج في صراعات أثرت سلبا على نفسية المقاتلين، وضحية لسياسة الغرب الذي غلبت مصالحه على مستقبل الأمة العربية بأكملها.