يوسف الديني

مصر العالقة بين صراع laquo;جماهيرraquo; وأرقام بشعارات تحشيدية لا علاقة لها بالسياسة أو تغيير الواقع الذي يزداد تدهورا في غفلة عن أن هذا الابتلاع للحالة السياسية بالكامل سينتج خطابات مأزومة لا علاقة لها بقيم الثورة ولا حتى بالشعارات التي رفعتها.

هناك تصور مغلوط عن مفهوم شرعية الإخوان وعن الثورة التصحيحية، فالدولة الآن في ظل الظروف الاستثنائية تحاكم بمعايير وقيم حقوق الإنسان وضرورة احترام الاحتجاجات السلمية في حين أن سلوكها على الواقع يؤكد أنها تتضخم أمنيا بسبب حالة الممانعة التي يصر عليها الإخوان ليس طمعا في عودة مرسي وهو أمر مستحيل في نظر الإخوان قبل غيرهم، وإنما لاكتساب مواقع سياسية جديدة في الخارطة المصرية بعد الثورة التصحيحية.

والحال أن تصور المدافعين عن الإخوان لا يقل توهما وبعدا عن الواقع عن الفهم المغلوط لطبيعة تدخل الجيش، فتقديم الإخوان في رابعة على أنهم ثوار يبحثون عن الديمقراطية المفقودة أمام جهاز دولة قمعي، ليس صحيحا من جهة أن تدخل الجيش جاء نتيجة انقضاض على الشرعية من دون مراعاة لتوازنات المكونات السياسية التي وإن كانت ترفع الآن شعارات حقوق الإنسان والتدخل الناعم ومحاولة البحث عن صيغ توافقية وبرامج مصالحة إلا أنها هي التي دفعت بتحشيدها للجماهير لدعم قرار الجيش نحو تكريس مفهوم السلطة وإعادة تعريف laquo;الثورةraquo; خارج أقواس من يعتقدون أنهم قد سرقوها وهم الإخوان.

الصورة تبدو معكوسة تماما لدى الإخوان فبعد سنة من الشمولية السياسية التي ابتلعت كل المؤسسات والحالة السياسية إلا أنها الآن تستقوي بالخارج وتسعى إلى التواصل اليومي مع منظمات حقوق الإنسان الغربية لمحاولة تكوين موقف دولي في صالحهم وهذا جزء من الصورة المغلوطة عن الواقع المصري.

خيار 30 يونيو كان قاسيا بكل ما تعنيه الكلمة ويبدو أنه سيستنزف الكثير من الضحايا والوقت ولا يمكن تبرير التجاوزات الأمنية من أي من الأطراف، لكنه سيضع حدا للصورة المغلوطة عن الثورة والدولة والسلطة.

ثمة صورة مغلوطة عن الثورة واستمرارها وديمومتها مما أدى لنشوء طبقة اجتماعية مزيج من ثوار مثاليين وبلطجية ومنتفعين وعاطلين عن العمل وحتى تجار الشنط على الفضائيات ممن يهمهم بقاء الوضع مرتبكا حتى يتسنى لهم الدفع بمواقفهم ومطالبهم للأمام، كما أن مفهوم الدولة المثالية التي تقف على الحياد انتهى باتخاذ قرار التحالف مع الجيش، والجيش أيضا الآن يعاد تصديره بشكل مثالي ومغلوط في الداخل والخارج، فاستعادة صور الراحل جمال عبد الناصر على هذا النحو الرمزي يشي بأن ثمة صورة جديدة للجيش تتخلق على الرغم من معارضتها لدى جيل الشباب الثوري، وفي الخارج تراجع حلفاء الإخوان للوراء واتخذوا مواقف دفاعية وباتوا يتحدثون عن المصالحة وحقوق الإنسان والمظلومية السياسية وتقدم بدلا عنهم بقايا القوميين والناصريين الذي رأوا في laquo;السيسيraquo; استعادة لرمزية عبد الناصر وهو الأمر الذي يعد مغالطة كبرى إذا ما أخذنا في الاعتبار الفوارق الهائلة في الظرف السياسي والعوامل المحيطة وأهمها أن الجيش يعلم تماما أن مكاسبه الحقيقية في إرساء مفهوم دولة مدنية يكون منفصلا عنها حاميا لها في حين أن الدولة تظل تنظر إليه كصمام أمان أمام التحديات الكبرى وأبرزها تحدي laquo;العنفraquo; سواء في المناطق التي تعد بؤر توتر سابقة للوضع الحالي كسيناء أو حتى احتمالية عودة طوائف من متشددي الجماعات الإسلامية والإخوان إلى مربع العنف من جديد.

للأسف فإن لا مبالاة طوائف كبيرة من الشعب المصري بما يحدث للإخوان الآن هو رد فعل متوقع للفاشية الإخوانية السابقة التي دمرت طريقة فهم الديمقراطية حقوق الإنسان وربما كان الابتهاج برفع صور السيسي كرمز للقوة المطلقة في الواقع المصري جزء من رد الفعل للذات المصرية القلقة والخائفة من عودة الأوضاع إلى سابق عهدها.

الأكيد أنه يغيب عن المطالبين بحقوق الإنسان اليوم التجاوزات الهائلة التي قام بها الإخوان في فترة حكمهم والتي جعلت الأوضاع تؤول إلى هذا الواقع المرير الذي لا يمكن الخروج منه بالحلول المثالية أو الوعظ الديمقراطي والحقوقي وإنما بمبادرة خلاص يتقدم بها عقلاء الطرفين تضمن مصالح البلاد والعباد، وحينها ليس أمام الإخوان إلا العودة إلى العمل السياسي السلمي رغم تراجع مواقفهم في الداخل المصري لكنه الحل الوحيد لكي لا يتحولوا من معارضة كانت تحظى بتعاطف المجتمع إلى فصيل عنفي خارج من السلطة سيكون من السهل التجييش ضده.