رندة تقي الدين

كثر الكلام والقلق في الأيام الأخيرة حول تقليص الولايات المتحدة اعتمادها على نفط الشرق الأوسط وخصوصاً النفط السعودي بسبب تطويرها السريع للنفط والغاز الصخري الذي أحدث ثورة في أكبر سوق في العالم. وجاءت رسالة الأمير الوليد بن طلال لوزيري النفط والمالية السعوديين يطلب فيها الإسراع في تنويع الاقتصاد السعودي وتقليص اعتماده على النفط لتطلق مجدداً الحديث حول الموضوع. مما لا شك فيه أن الإسراع في تطوير النفط والغاز الصخري تطور مهم جداً في الولايات المتحدة. إلا أن سنة ٢٠١٢ شهدت زيادات من النفط السعودي إلى الولايات المتحدة لكن احتياجات المصافي الأميركية الشغالة كانت لنوعية النفط السعودي الثقيل. وعلى المدى الطويل قد تواجه هذه الثورة النفطية الصخرية في الولايات المتحدة تيارات بيئية مناهضة للاستكشاف الصخري، على غرار ما يحدث في فرنسا حيث استكشاف الغاز الصخري ممنوع بسبب التيارات البيئية. وفي جميع الأحوال إن تطور الإنتاج النفطي الصخري في الولايات المتحدة حدث أساسي في السوق العالمية ينبغي التنبه إليه ولكنه لا يعني أن احتياجات العالم لنفط الخليج وتحديداً للسعودية مهددة. فاليوم السوق الكبرى لهذا النفط هي آسيا وفي طليعتها الصين.

تساءل صناعي فرنسي منذ بضع سنوات ماذا يحدث لو أن سكان الصين وهم الآن أكثر من بليون شخص لو أراد كل منهم أن يملك سيارة هل يكون هناك ما يكفي من نفط في العالم ليلبي هذا الطلب؟ إن الصين والدول الآسيوية التي تشهد نمواً سكانياً واقتصادياً سريعاً تزيد طلبها على النفط بسرعة علماً أنها تنتج مصادر مختلفة منه من الفحم والنفط، وهي في طور استكشاف وإنتاج النفط الصخري. ولكن اعتمادها كبير على نفط الخليج كما اليابان ودول آسيوية عدة من تايلاند إلى كوريا والهند. إن نفط الخليج سيبقى أساسياً في الأسواق العالمية كونه أيضاً هو عامل استقرار للأسعار، ويحتاج منتجو النفط الصخري إلى مستوى أسعار مقبول للاستثمارات، لهذا فالمستوى المقبول هو حالياً مئة دولار للبرميل. وأسعاره تحدد أيضاً إنتاج الطاقات البديلة، فلو انخفض سعر النفط إلى مستوى أقل من مئة دولار للبرميل ستصبح الاستثمارات في الطاقة البديلة غير مجدية للمستثمرين. أما تنويع الاقتصاد السعودي فهذا أيضاً حاجة ماسة لبلد عدد سكانه ٢٠ مليون نسمة وثلثا السكان تقل أعمارهم عن ٣٠ سنة. وعدد موظفي القطاع العام السعوديين هو ٣٠٠ ألف. وتبذل السلطات السعودية جهوداً كبرى لتنويع الاقتصاد وهدفها أن يصل القطاع الصناعي خارج قطاع الطاقة من ١٠ في المئة من الناتج المحلي الخام إلى ٢٠ في المئة خلال ١٠ سنوات وهذا في قطاعات صناعية عدة. ففي السعودية هناك سوق داخلية حقيقية بعكس دول خليجية أخرى. ولا شك أن الإسراع في تنويع الاقتصاد السعودي هو حاجة لبلد احتياطه من النفط هو الأكبر في العالم ولكن ليس لأن العالم لم يعود يحتاج إليه بل لأن السعودية تحتاج إلى خلق فرص عمل في القطاع الخاص واستكمال وإنجاح سعودة اقتصادها كما فعلت في قطاعها النفطي وكوادره لأنها بحاجة إلى تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل للشباب الذين يصلون سنوياً إلى سوق العمل. فعائدات هذا النفط بإمكانها أن تسرع في هذا التنويع المطلوب. إن القطاع الخاص في المملكة بإمكانه أن يساهم بشكل كبير في هذا الإسراع.

وعلى رغم أن لا تهديد لمستقبل النفط السعودي فإن طلب تسريع تنويع الاقتصاد أمر مبرر لبلد لديه ثروة نفطية بإمكانها دفع عملية التنويع الصناعي لمشتقاته من البلاستيك والبتروكيماويات وأيضاً تنويع صناعات قطاعات الزراعة والتحويل مع مشاركات أجنبية في مختلف القطاعات. فعندما يتم تنويع هذا الاقتصاد وتنشأ الشركات تخلق فرص عمل للعدد المتزايد لطالبي العمل من السعوديين. وتنويع الاقتصاد يتيح للدولة أن تقلص اعتماد الشعب على التوظيف في القطاع العام. فلا يصح لأي دولة أن تبقى باستمرار الدولة الموظفة والممولة لشعبها. فهناك حاجة ملحة للتوظيف في قطاع اقتصادي متنوع من فنادق إلى سياحة دينية أو غيرها من القطاعات. إن التنويع الاقتصادي ضروري للسعودية وشعبها على رغم أن نفطها يبقى المزود الأساسي لدول الشرق الأقصى.