زهير قصيباتي

laquo;يغرّدraquo; وزير الخارجية الأميركي جون كيري ابتهاجاً بإعادة إطلاق قطار المفاوضات على طريق دولة فلسطينية، وسلام دائم. laquo;صحوةraquo; سلام مباغتة، ما دامت إدارة باراك أوباما مكتوفة اليدين أمام مجازر العالم العربي، تنكفئ عن الحروب، لكنها تتخلى عن المدنيين بين فكي الاستبداد وتنظيمات الإرهاب.
حيثما حلّ laquo;الربيع العربيraquo; تصحو laquo;الدولة العميقةraquo;، ومثلما كانت ساعة الإرهاب قبله ملائمة لتوقيت طغاة في جمهوريات بائسة بجنرالاتها، فجأة تصحو laquo;القاعدةraquo;، تنتعش عملياتها وسياراتها المفخخة تجول على دول laquo;الربيعraquo;، لتكمل مهمات laquo;الثورة المضادةraquo;. أوليس تأجيج الانقسامات المذهبية بمذابح على الهوية، مقتلة لمشروع الديموقراطيات الذي ما زال يصارع تيارات امتطت خلسة أحصنة الانتفاضات الشعبية؟ أليس ذبح العسكر في سيناء وعلى الحدود التونسية- الجزائرية، واغتيال معارضين في تونس وتصفية ضباط في ليبيا واليمن، حلقات في سلسلة واحدة مع تفجير مساجد للسنّة والشيعة في العراق؟

... لكأن laquo;الربيعraquo; جدد مواسم الإرهاب، وعضلات laquo;القاعدةraquo; وأخواتها، فيما قبائل دارفور تتباهى بعدد الذين قتلتهم، وقبائل الإرهاب في سورية لا تتوانى عن تصفيات جماعية لجنود أسرى، لا تقل بشاعة عن إبادة طيران النظام عائلات خطفها الذعر في الخالدية بعد القصير.

وإذا كان السؤال مع هجمة السيارات المفخخة ضد السنّة والشيعة في العراق، هل ما زال بيننا من يشكك في وهم ادعاء الأميركيين انتصاراً على laquo;القاعدةraquo; بقتل أسامة بن لادن... فالسؤال الأهم أن ما يُراد لدول laquo;الربيع العربيraquo; من سقوط في أفخاخ الصراعات الأهلية والحروب التي تمهد لها نزعة الاستئثار لدى التيارات المستغِلّة للدين، تكمله laquo;القاعدةraquo; في العراق كما تنجزه laquo;جبهة النصرةraquo; و laquo;الجهاديونraquo; الجدد في سورية.

لغة القتل إذاً برصاص الاستبداد أو رماح الإرهاب، واحدة. واغتيال المعارض محمد البراهمي بعد شكري بلعيد في تونس، إن كان يقرع جرس الإنذار لحزب laquo;النهضةraquo; للتخلي عن قتل الأمل لدى جيل الثورة، فما يروى عن ذبح جنود بعد قتلهم على الحدود مع الجزائر، يضع تونس وليبيا بعد مصر في مواجهة كبرى مع laquo;القاعدةraquo; وحلفائها... بل يضع مصير الدول الثلاث ووحدتها في مهبّ رياح مشبوهة، لقتل الثورات أو تفتيت المنطقة بعد تحويل انتفاضات laquo;الربيعraquo; فتيلاً لحروب أهلية.

على laquo;اللعبة الخارجيةraquo; يتكئ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تفسيره لما حصل في بلاده من احتجاجات، وما تشهده سورية والعراق ومصر، لأن الأسباب الداخلية ليست مبررات كافية. وهكذا يكرر أردوغان ما كان فنّده من طروحات للرئيس بشار الأسد الذي تحدّث عن خوض laquo;حرب كونيةraquo; على الأرض السورية، فيما لا يمكنه تبرير قتل مئة ألف سوري بذريعة laquo;الصمودraquo; أمام laquo;المؤامرةraquo;... ولا إلقاء البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية، ليخليها مقاتلو laquo;الجيش الحرraquo;.

وبافتراض تآمر laquo;القاعدةraquo; على أنظمة ما بعد ثورات laquo;الربيعraquo;، ألا يكون عصر laquo;صحوة القاعدةraquo; مدعاة تبصّر لدى الحكّام الجدد الذين لا يمكنهم تغطية الاستئثار وإقصاء المعارضين بسيف الاقتراع، ثم البحث عن جذور العنف laquo;المباغتraquo;؟

كانت تجربة laquo;الإخوان المسلمينraquo; مريرة لهم ولجميع المصريين، ولكن لا شيء بعد يبشّر بأن الشركاء الآخرين في laquo;الربيعraquo; استوعبوا الدرس. والحال أن الحاكم في قصر استبدادٍ جمهوري بائد، يتوهم أن كل مظاهر العنف ومواكب النعوش اليوم، عابرة طارئة، فيما القتل والتوحش يتحوّلان حدثاً يومياً... معهما لا يمكن لخريف المجازر وشتائها إلا أن يستمرا بين قاتل وضحية، كلاهما مسلم في غالبية الكوارث.

... وتبشّرنا laquo;القاعدةraquo; بـ laquo;صحوتهاraquo; الناهضة في العراق وشمال افريقيا، بمزيد من الدم وإزهاق أرواح ليس بينها أميركي أو إسرائيلي. في الحملة الجديدة للتنظيم المبرمجة رداً على laquo;سوء معاملة السنّة في العراقraquo;، ضحايا شيعة وسنّة سقطوا بـ laquo;بطولاتraquo; القاعدة في شهر رمضان.

عيّنة أخرى من مصر بعد 30 يونيو (حزيران)، أن يُحشَر مدنيون ويُحرقوا أحياءً، لخلافٍ لا علاقة له بالثورة الثانية ولا بـ laquo;الإخوانraquo;. لكنه التوحش ذاته في بلاد الرافدين وأرض الكنانة، أم التسامح. لكأن الجميع يتساوون في laquo;غريزةraquo; الغاب، بعدما سقطت مقولات العدالة الانتقالية، وحكم القانون.

ومصر اليوم الحائرة على ضفاف الثورة، ليست تونس ولا ليبيا، وليست على كف الميليشيات. لكن المخيف أن يتجاهل مَن في السلطة، خطر سقوط الكيانات بين فكي خصوم الداخل، وحروب laquo;القاعدةraquo; وشركائها على الحدود.

وبين laquo;نفيرraquo; من هنا وتعبئة من هناك، يحوّل laquo;جهاديونraquo; الثورة إلى فعل قتل لمجرد القتل، ولإبادة الأمل.