حسان حيدر

تتصاعد مع الوقت المعركة التي يخوضها اكراد سورية للحفاظ على laquo;تميزهمraquo; في بلد يتجه حثيثاً نحو التفتت مع استمرار الحرب الاهلية وما تكشفه وتعمقه من انقسام اجتماعي وطائفي وتسببه من خراب اقتصادي. وهم في سعيهم الى استعادة هوية قومية فقدوها قسراً قبل قرون، لا يميزون بين حكم ومعارضة ولا توقفهم جغرافية او حدود.
لكن معركتهم هذه تبدو غير موفقة منذ بدايتها، ليس لانهم لا يجيدون القتال او المناورة، بل لأن المعطيات التي يستندون اليها في محاولة الوصول الى وضع يقترب من وضع الاكراد في العراق ليست كافية للخروج بالنتيجة التي يتوخون، لاسباب عديدة ذاتية وموضوعية.

ذلك ان اشقاءهم العراقيين سبقوهم عقوداً في التمرد على الحكم المركزي، ونالوا درجات من الحكم الذاتي قبل ان يصلوا الى وضع laquo;الاقليمraquo; او laquo;الجمهورية غير المعلنةraquo; القائمة في شمال العراق حالياً، نتيجة الظروف الخاصة التي رافقت الاحتلال الاميركي والصفقة التي عقدوها مع المكونات العراقية الاخرى، والمقصود هنا تحديداً الشيعة ومن ورائهم ايران، وقضت بمشاركتهم في اطاحة نظام صدام حسين في مقابل استقلال غير ناجز.

وكان لسلطة الاحتلال الاميركي في العراق دور كبير في فرض هذه الصفقة والدفاع عنها وصولاً الى انجاحها وتثبيت ركائزها. ولا يزال الاميركيون يحيطونها برعايتهم رغم خروجهم من هذا البلد.

اما اكراد سورية فلم يعرف عنهم رفضهم للسلطة المركزية في دمشق او خروجهم عن طاعتها، على رغم بعض laquo;المناوشاتraquo; التي قمعت بسرعة. بل ما هو معروف ان دمشق في عهد حافظ الاسد رغم انكارها عليهم اي حقوق خاصة ورفضها السماح لهم بتعلم لغتهم في المدارس او النشر بها، استخدمت الاكراد (حزب عبدالله اوجلان) للتشويش على تركيا في اطار التنافس الاقليمي. ثم لم تلبث ان توقفت تحت تهديد الحشد العسكري التركي، لكنها رعت استمرار laquo;العلاقات الحزبيةraquo; بين جانبي الحدود.

وفي المقابل، عرف اكراد العراق كيف يميزون انفسهم عن حزب اوجلان الناشط عسكرياً في الاراضي التركية رغم غضهم الطرف عن تحركاته في مناطقهم. وكان الطيران التركي يغير على مواقع لحزب العمال في الجانب العراقي من الحدود من دون ان يؤثر ذلك على اعترافه بالاقليم الكردي القائم. حتى ان انقرة اغضبت بغداد عندما ارسلت وزير خارجيتها داود اوغلو مباشرة الى اربيل من دون المرور بالعاصمة الاتحادية.

وحصل الاتراك على تعهد من اكراد العراق بأن laquo;الاقليمraquo; لن يتدخل في الشأن التركي الداخلي، لكنهم قد يرون في أي حكم ذاتي في شمال شرقي سورية تهديداً اكبر بكثير لأمنهم ووحدة اراضيهم، وسيفعلون ما بوسعهم لمنعه، وهو ما ابلغوه الى قيادي كردي سوري زار انقرة قبل ايام.

واذا كانت المعارضة السورية تتهم الاكراد اليوم بأنهم ينفذون خطة النظام لاضعافها واشغالها بمعارك جانبية فيما يصعد هو هجومه عليها، فهذا يعني ان هؤلاء فشلوا في الحصول على غطاء سياسي كافٍ لاقامة ادارتهم الذاتية في مناطق محررة، اي انهم يفتقدون التحالفات الضرورية لاستمرار مثل هذه الادارة حتى لو قامت، وسيظل laquo;كيانهمraquo; مُهدداً اياً كانت نتائج التسوية السياسية التي سيخرج بها مؤتمر جنيف-2. فهم لم يشاركوا في الانتفاضة على النظام كي يطالبوا المعارضة بحصتهم، بل قاتلوا للسيطرة على مناطق تواجدهم فقط، وقد يقاتلون ضد الجميع لاحقاً، وهي معركة خاسرة بالتأكيد.