علي إبراهيم

تطل تجربة حرب العراق في 2003 التي أدت إلى تواجد أميركي وبريطاني عسكري مكلف هناك على النقاشات الدائرة في العواصم الغربية بشأن شن ضربات عسكرية ضد النظام السوري ردا على الاتهامات الموجهة له بتجاوز الخطوط الحمراء واستخدام الأسلحة الكيماوية.

فلا أحد يريد تكرار هذه التجربة التي أدت إلى رأي عام متشكك بعدما ظهر أن السبب الرئيسي الذي قدم لشن الحرب وقتها وهو وجود أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين لم يكن صحيحا، رغم أن ذلك لم يكن السبب الحقيقي للحرب، فالهدف كان تغيير النظام، وهو هدف مستحق في ضوء الممارسات التي كان يقوم بها النظام العراقي وقتها، لكنه لم يكن قانونيا يصلح تقديمه إلى البرلمانات والرأي العام الغربي في ذلك الوقت.

سوريا تقف الآن نظريا على نفس المنعطف الذي كان عليه صدام حسين قبل حرب 2003 لكن عمليا الفارق كبير، فالحرب المنتظرة ليست شعبية بين الرأي العام الغربي المتشكك أصلا نتيجة ما حدث في حرب العراق والتكلفة الباهظة التي دفعت فيها وتداعياتها السياسية المستمرة حتى الآن، كما أن الأزمة السورية تطورت نتيجة التأخر في التدخل إلى حرب أهلية بما يجعل التدخل العسكري الخارجي فيها الآن أشبه بالدخول في مستنقع طريقة الخروج منه غير معروفة، خاصة مع وجود أطراف إقليمية ودولية متصارعة على الأرض السورية.

وإذا كانت تجربة العراق في خلفية النقاشات التي تجري حاليا والحملات الإعلامية التي تقوم بها العواصم الغربية الرئيسية لإقناع الرأي العام لديها بما تنوي أن تقوم به، فإنه يمكن القول: إن تلك التجربة غيرت أيضا قواعد اللعبة السياسية، فلجوء رئيس الوزراء البريطاني إلى البرلمان لأخذ تفويض منه، وفشله في ذلك، ثم سير الرئيس الأميركي على نفس الطريق في طلب موافقة الكونغرس، يشكل سابقة في إشراك المجالس التشريعية في قرارات من صلاحيات السلطة التنفيذية، خاصة أن الأمر يتعلق كما هو معلن بضربات عسكرية محدودة ليوم أو أيام من دون تواجد لقوات أرضية عقابا للنظام على استخدام الأسلحة الكيماوية وحفظ laquo;الخطوط الحمراءraquo;.

قد يكون السبب الرئيسي في ذلك هو الفشل في استصدار أي نوع من القرارات من مجلس الأمن في ضوء الفيتو الروسي والصيني، لكنه عمليا سيحد مستقبلا من صلاحيات السلطات التنفيذية في المستقبل في اتخاذ قرارات عسكرية سريعة من دون العودة إلى المجالس التشريعية التي أصبح قرار الحرب في يدها هذه المرة، وبالتأكيد فإن المشرعين سعداء بذلك.

ويصعب التنبؤ بدقة بالمسار الذي ستأخذه نقاشات الكونغرس الأميركي، كما كان صعبا التنبؤ بنتيجة التصويت الذي جرى في البرلمان البريطاني وفشلت فيه الحكومة البريطانية بعدما صوت مجلس العموم ضد التدخل العسكري، وكان جزءا من حجة المعارضة عدم اقتناعها بأن الضربات العسكرية الخاطفة أو المحدودة ستقود إلى شيء، أو ستغير الأوضاع.

ونفس الحجة يتوقع أن تظهر في نقاشات الكونغرس الأميركي، وقد بدأت تطرح في تصريحات بعض النواب والشيوخ سواء كانوا الرافضين لفكرة التدخل العسكري أو المؤيدين الذين يريدون توسيعها لتشمل خطوات أوسع منها منطقة حظر جوي أو تسليح أقوى للمعارضة السورية بما يحدث تغييرا في التوازن على الأرض.

حتى الآن تتمسك الإدارة الأميركية بنظرية الضربات الخاطفة العقابية للنظام من دون محاولة التدخل المباشر لتغييره، لكن حجم الجدل والنقاشات التي تدور حاليا، واللجوء إلى الكونغرس يفتح الباب أيضا إلى توسيع نطاق الحرب وهو احتمال تتزايد احتمالاته أكثر فأكثر كل يوم خاصة إذا منح المشرعون الأميركيون تفويضهم.

حرب صغيرة أم كبيرة في سوريا، هذا هو السؤال بينما العجلة تدور في اتجاه عمل عسكري، وترجيح أن يمنح الكونغرس في النهاية الرئيس الأميركي موافقته. والأهم من الحرب نفسها أو الضربات العسكرية هو أن يكون هناك تصور لما بعد ذلك حتى لا تتكرر تجربة العراق الذي أطيح فيه بالنظام وفككت مؤسسات الدولة من دون أي خطط مستقبلية ليحدث فراغ شغرته الفوضى وقوى إقليمية مثل إيران، وتنظيمات الإرهاب، ولا يزال يعاني بعد عشر سنوات من التفخيخ والتفجير، والاستقطاب الطائفي، هذا التصور يجب أن يكون بإرادة السوريين، وفي إطار رعاية إقليمية ودولية تؤمن المساعدات اللازمة لأي مرحلة انتقالية قادمة.