القاهرة - أمينة خيري

تكاثرت الأيادي في مصر وتفرعت وتشعبت، ولم تعد مجرد laquo;أوبريتraquo; يدعو إلى أن laquo;تسلم الأياديraquo; التي خلّصت مصر من laquo;حكم الإخوانraquo;، أو أغنية مضادة تتمنى لو laquo;تتشل الأياديraquo; التي عزلت الرئيس محمد مرسي، كما لا تتوقف عند حدود الأيادي الخارجية التي ظلت أنظمة متلاحقة تلوّح بضلوعها في عمل إرهابي هنا أو قلقلة طائفية هناك، بل أضحت يداً تكتب الدستور، وأخرى تتسم بالارتعاش والاهتزاز وتتخبط في أروقة الوزارات وأبنية الهيئات الرسمية، وثالثة تواجه الإرهاب، ورابعة تصنعه.

صناعة الإرهاب ليست جديدة أو فريدة في مصر، فقد عرفها المصريون مرات عدة ورزحوا تحت براثنها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، إضافة إلى مقتطفات منوعة هنا وهناك على مدى تاريخهم الحديث السابق والتالي لثورة يناير من تفجير كنيسة هنا أو حرق بيوت هناك. لكن هذه المرة تظهر يد الإرهاب بـ laquo;لوكraquo; مختلف و laquo;ستايلraquo; منفرد وهدف مستتر.

لم تعد يد الإرهاب الآثمة تمثّل أطرافاً أجنبية أو أشخاصاً خارجين على القانون، بل ظهرت باعتبارها يداً واحدة تدعم الأيادي التي كانت تسيطر على حكم مصر حتى وقت قريب.

ضلوع تلك الأيادي في القتل والدمار والخراب والدماء المكلل بعبارات تمثّل صمام أمان نفسي لملايين المصريين مثل: laquo;بإذن اللهraquo; و laquo;بعون اللهraquo; و laquo;إن شاء رب العبادraquo;، أصابت أهل المحروسة بصدمة ثقافية ونفسية أكثر منها أمنية.

فوصف الأيادي الضالعة في القتل والدماء والخراب بأوصاف دينية من قصاص للمسلمين وانتقام للحرائر ونصرة للشرعية لم يقنع رجل الشارع، بل صدمه وأغضبه وزرع الخوف فيه.

الواقع المصري الحالي يشير إلى ضيق شديد وغضب متأجج وخوف كامن لدى عموم المواطنين من الأيادي التي تحاول إطباق قبضتها عليهم، بدءاً من اليد laquo;الربعاويةraquo; ذات الأصابع الأردوغانية، ومروراً باليد الإرهابية ذات الأصابع الدموية، وانتهاء باليد المرتعشة ذات الخطوات المهتزة التي تجعل الأداء الحكومي يبدو بطيئاً هزيلاً.

الهزل المختلط بعلامات الاستفهام والتعجب والتشكيك يظهر واضحاً في حوارات المصريين حول مواقف أنصار مرسي الذين يملأون الدنيا صخباً بسلميتهم وضوضاءً بشرعيتهم و laquo;زيطةraquo; بشريعتهم، ورغم ذلك لم تخدش سلميتهم أو تتكدر شرعيتهم أو تهتز شريعتهم للبيان الصادر عن جماعة laquo;أنصار بيت المقدسraquo; معلنةً مسؤوليتها عن الهجوم على وزير الداخلية متوعدةً بمزيد من الدماء وواعدة بأن يكون laquo;القادم أدهى وأمرّ بإذن اللهraquo;!

الأمر لم يخل من انتقادات شعبية لا أول لها أو آخر لـ laquo;الجماعة بتاعة ربناraquo; التي لم تغضب لإقحام ربنا في إراقة الدماء باسم الإسلام laquo;الذي أدعوهraquo;. هكذا قال أحد المتصفحين للجرائد اليومية المتراصة على الأرض. ولحسن الحظ أن الرجل الذي حوقل وضرب كفاً بكف مستنكراً سكوت الجماعة وأنصارها عن ضلوع جماعات إرهابية في قتل المصريين واغتيالهم، لا يعرف أن هؤلاء الأنصار يروّجون لفكرة أن الإرهاب الذي تتعرض له مصر حالياً إنما هو من صنيعة وزارة الداخلية نفسها والنظام القائم، وإلا لأُصيب بسكتة قلبية أو جلطة دماغية.

إحدى الأدمغة التي ترفع شعار laquo;رابعةraquo; الأردوغاني كتبت مغردة: laquo;نحتاج خبراء إرهاب من لبنان أو العراق، إنما مناظر الإرهاب العرة (المبتدئة) في القاهرة تضر بسمعة الإرهابيين المصريينraquo;، وهي التغريدة التي تم تداولها وتناقلتها مئات الأيادي الأردوغانية من ذوات الأصابع الأربعة!

ويبدو أن كثرة الأصابع وتناحر الأيادي الضالعة في مصر، سواء عبثاً أو استكشافاً أو سيطرةً أو هيمنةً أو حتى بناءً، أنهكت المصريين. فنظام الرئيس laquo;المخلوعraquo; حسني مبارك صدعهم بالحديث عن الأيادي الخارجية والأصابع الخبيثة التي تحاول دوماً النيل من أمن مصر، ونظام الرئيس laquo;المعزولraquo; مرسي دوّخهم بخطاب الأصابع الخفية التي تعبث بمصر والأيادي الشقية التي تفصل الكهرباء عنها، ونظام الرئيس laquo;الموقتraquo; عدلي منصور يرعبهم بوقوفه معهم شاهد عيان على ظهور الأصابع والأيادي ظهوراً واضحاً لا ريب فيه، باستثناء أنصار laquo;الشرعية والشريعةraquo; التي يرونها تمثيلية من صنيعة laquo;الانقلاب والانقلابيينraquo;.

الانقلاب الشعبي الذي laquo;أنقذraquo; مصر - كما يقول مؤيدوه - من أيدي الجماعة يحاول جاهداً إنقاذ مصر من بقية الأيدي المتربصة بها، فمن أيدي عاملة كثيرة تعطلت بسبب الأوضاع الاقتصادية، وأخرى تقف مكتوفة تحت وطأة الأحوال الأمنية، وثالثة حكومية يراها البعض laquo;مهزوزةraquo; ومطلوب منها اتخاذ إجراءات وقرارات وخطوات أكثر حزماً وصرامة، بدا أن الأيادي الوحيدة التي تعمل حالياً ترفع شعار laquo;يد تكتب الدستور والثانية تحارب الإرهابraquo;، وذلك في انتظار زوال الغمة عن بقية الأيادي، المهتز منها والمكتوف والمتعطل .... والمتضامن مع الإرهاب.