مصطفى زين

اعترف الرئيس باراك أوباما بانقسام كبير وحاد، داخل أميركا وخارجها، حول الهجوم على سورية. لكنه امتنع عن الجزم بالمضي في خطة ضرب دمشق أو التراجع إذا عارض الكونغرس. توصل إلى هذه الخلاصة بعدما حصل على تفويض لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بغالبية بسيطة، إذ صوت عشرة مع الخطة وسبعة ضدها وامتنع سيناتور عن التصويت. والنتيجة ذاتها كانت في قمة العشرين، إذ لم يستطع إقناع كثيرين من حلفائه بخطته، فضلاً عن دول laquo;بريكسraquo; التي تمسكت بمعارضة أي هجوم على دمشق.

لكن اعترافه لم يمنع زعماء دول، كبيرة وصغيرة، من الإعراب عن حماستهم للحرب، من دون أن يستشيروا برلماناتهم فهم ينتظرون قرار الكونغرس، كأن شعوبهم انتخبت أعضاءه. من هؤلاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي ناقش المسألة في الجمعية الوطنية (البرلمان) ولم يطرحها على التصويت، فهو يرى أن ضرب دمشق فرصة لمزيد من التقارب مع واشنطن. قال ريجيس دوبريه أن هولاند ينتقم من بريطانيا التي شاركت في الحرب على العراق وحصلت على امتيازات في هذا البلد بينما فرنسا التي وقفت ضد الحرب خرجت خالية الوفاض، وأضاف الكاتب الشهير أن الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي صحح علاقات باريس مع واشنطن، ويتوهم الرئيس الاشتراكي أن الوقت حان ليقطف ثمار ما زرعه سلفه، غير عابئ بالرأي العام، وبالخيبات المتكررة في ليبيا ومالي.

الحماسة للحرب لا تقتصر على أوباما وهولاند والسياسيين. في أميركا، والعالم العربي، كتاب أشد حماسة، فالولايات المتحدة، في نظرهم، هي الوحيدة القادرة على قيادة العالم وفرض قيمها الأخلاقية، انطلاقاً من تاريخها في هذا المجال منذ تأسيسها، ومنذ قصف هيروشيما بالقنابل النووية... ويعدد هؤلاء أسباب تفردها في فرض القانون على الأشرار بالقوة. ومنها أن أوروبا ذات القيم المماثلة لقيمها غير قادرة مالياً وعسكرياً على الاضطلاع بالمهمة الإنسانية، القارة القديمة ليست أكثر من متحف للأسلحة التقليدية. والعرب منقسمون، فضلاً عن ضعفهم العسكري الذي لا يعوضه المال، أما جامعتهم فمشلولة، وغير قادرة على أكثر من اتخاذ قرارات قد تشكل غطاء سياسياً للهجوم، وواشنطن ليست في حاجة إلى هذا الغطاء، طالما أن حملتها ستطاول الشر في دمشق وإيران و laquo;حزب اللهraquo;. القضاء على هذا التحالف، أو إضعافه على أقل تقدير، لن يتم إلا بعد ضرب سورية التي تشكل واسطة العقد.

ينطلق هؤلاء الكتاب وزملاؤهم العرب، وغير العرب، مما يعتبرونه مسلمات غير قابلة للنقاش. المسلمة الأولى أن الولايات المتحدة أكبر الديموقراطيات وأكثرها قوة. على عاتقها تقع إدارة هذا العالم. إذا اتخذت قراراً على الجميع تنفيذه من دون نقاش. وعليهم الإقرار بأخلاقيتها ومشروعيتها. إذا انطلقت في الحرب من أجل مصالحها على الجميع الإقرار بهذه المصالح حتى لو تعارضت مع مصالحهم، وعلى حساب شعوبهم. على الفلسطينيين، مثلاً، الإقرار بحق إسرائيل في أرضهم. والرضوخ لإرادة الدولة العبرية وإلا غضبت واشنطن عليهم. ولا حدود لهذا الغضب وما يترتب عليه، من اغتيال زعمائهم إلى تزويد عدوهم المزيد من السلاح، إلى وضعهم على القائمة السوداء ومنعهم من التحرك في وطنهم وخارجه. أما أطفالهم المشردون ولاجئوهم فتتكفل الأمم المتحدة ببقائهم على قيد الحياة، في مخيمات ماتت فيها أجيال وولدت أخرى. وممنوع على المنظمة الدولية توجيه لوم إلى الذين شردوهم من بلادهم.

أميركا الآن هي الشرطي والقاضي والمدعي العام في العالم. هي ديموقراطية في الداخل وتمارس أبشع أنواع الديكتاتورية في الخارج.

الكتاب الأميركيون، عدا المنبوذين منهم، لا يرون سوى الديموقراطية في بلادهم. قمع الآخرين وشن الحروب عليهم وتنصيب زعمائهم يخدم مصالحهم ويعزز ديموقراطيتهم. وهناك دول، في الشرق وفي الغرب، تنتظر قرار هذه الديموقراطية لتخلصها من الأشرار.

مرة أخرى هي معادلة الاحتلال المنقذ من الاستبداد، وقد أثبت التاريخ خطأها