علي محمد فخرو

هناك دروس وعبر في المشهد السوري تميٍّزه عن كل مشاهد ثورات وحراكات الربيع العربي . إنه مشهد متكامل في مآسيه وجنونه وبلاداته وحقارات بعض لاعبيه.وهو يصلح لأن يكون في المستقبل مُقرراً دراسياً في علم السياسة لإبراز تعايش الحقّ مع الباطل، وتناغم المتناقضات في رسم صورة سريالية عبثية أين منها تراجيديا الإغريق.
الملحمة في الساحة السورية هي في الواقع كارثة وطنية وقومية وإسلامية وإنسانية وأخلاقية بامتياز اي تفاصيلها تحتاج إلى كتب، ولكن يهمنا ان نشير إلى بعض الظواهر كدروس وعبر.
أولا: هناك موضوع الأحزاب التي يمارس الحكم باسمها في العديد من الأقطار العربية، ومن بينها سوريه لو أن هذه الأحزاب لها وجود فاعل مستقل لتدخلت في المراحل الأولى من الحراك الشعبي ضدً الحكم ولو قفت بحزم ضدً ممارسة إنتهازية الحلول الهامشية والإقتصادية على تقديم الفتات من التنازلات وممارسة أجهزة الحكم البطء الشديد المتعمًد في إتخاذ القرارات التي تهدًئ الأوضاع وتعطي الأمل في الإستجابة.
إن مأساة، تلك الأحزاب هي في وصولها إلى حالة موت الحسٍّ المتفهَم لمطالب الجماهير الغاضبة وتشوُه الضمير الأخلاقي عند قادتها، وبالتالي إنقلابها الى واجهات صورية.


ان ماحدث في سورية وغيرها هو درس للأحزاب العربية في أن لا تسمح قط، نظاماً وتنظيماً وعلاقات مع قوى مجتمعاتها بأن يخطف الحزب جيشا يريد الحكم أو قائد مدًعي العبقرية أو طائفة تستدعي التاريخ والفقه المتخلًف أو قبيلة تدًعي التميز في معرفة ماهو صالح للأوطان. الحزب الذي لا يمارس الديموقراطية في حياته اليومية ولا الإستقلال عن بيروقراطية الحكم بصورة تامة والقدرة على قول لا للحكم الذي يتكلم باسمه، هذا الحزب يجب أن لايكون له قط محلً في الحياة السياسية العربية مستقبلاً .
ثانيا: هناك قوى في المجتمعات العربية التي إن سُمح لها بالإنخراط في الحراكات والثورات، حتى ولو على الهوامش، فانها ستسمَم الأجواء وتحرف العفوية الشعبية. من هذه القوى قوى الإسلام التكفيري الطائفي الممارس للعنف والقتل العبثي للأبرياء.


الثورات والحراكات التي لا تعرف كيف تتجنَب وضع اليد في يد المندسٍّين لتحقيق أهداف تخصُّهم ولا دخل لها إطلاقاً بالمطالب الشعبية العادلة، لا يحقُ لها أن تطالب أحدً باسنادها . فاذا أضيف إلى ذلك ارتباط تلك القوى الدَخيلة بجهات غير ديموقراطية وغير معنيًة بشعارات الجماهير في الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية فانُ الحراكات الجماهيرية ستسلًم نفسها ليد القدر المظلم.
ثالثا: لقد كان السماح للمشهد السوري أن يصل إلى ما وصل إليه من موت ودمار مدن وتهجير للملايين وطائفية سوداء بغيضة حقيرة وتدًخلات خارجية منزلة سافرة ووصول سورية إلى حافًة الخروج من التاريخ .. كان السماح بذلك وصمة عار في جبين العمل العربي المشترك. لا الجامعة العربية ولا المؤسسات القومية المدنية ولا المحسوبون كعقلاء هذه الأمة فعلوا شيئاً أساسياً مفصلياً يذكر لمنع هذه التراجيديا السورية البائسة.
إذا كان الإنتماء العروبي لا يساعد المنتمين في أوقات الشدًة والمحن، فما فائدة هذا الانتماء إذن ؟ إذا لم يصلح النظام الإقليمي القومي العربي نفسه، وإذا لم يجر التفكير في وجود كتلة مدنية سياسية عربية قادرة على الفعل خصوصاً في أوقات الأزمات والكوارث الكبرى، فان المستقبل العربي هو في خطر مظلم حامل للأهوال.


رابعاً: لقد عانت الأمة العربية ماعانت، منذ منتصف القرن الماضي بسبب الإنقسام والتناحر بين الإسلام السياسي المعقول وبين القومي العروبي السياسي المعقول بأشكاله المختلفة. لقد بذلت جهود هائلة لحلً هذا الإشكال . على الأقل أثناء المرحلة التاريخية الحالية الخطرة التي يعيشها الوطن العربي . لكن الربيع العربي، بما فيه سورية، أظهر أن الطبع يغلب التطبُع.
ترى هل كان بامكان المشهد السوري أن يتجنًب قضية الإسلاميين التكفيريين الشائكة لو أن أيادي الجهتين كانت ممدودة في أول أيام الحراك الشعبي ؟ ماعاد بالإمكان تأجيل هذا الموضوع الذي يستغله كل أثيم على مستوى الإجتهادات الفقهية الطائفية والإعلام المجنون والخارج المتربًص المستفيد.
الآن وجريمة امريكية صهيونية على الأبواب، هل يستطيع شباب ثورات وحراكات الربيع العربي أن يدركوا بأن أمتهم، وسورية المثال الأسوأ، تعيش أحلك ايام تاريخها القديم والحديث، فيتمعنًون بعمق شديد وبضمير أخلاقي وبحسُ قومي عروبي ملتزم في الذي يحدث أمامهم ويتصرًفون خارج تلك الأخطاء والخطايا، وهي كثيرة جداً ليرهبوا ألق الربيع العربي الذي تكاثرت عليه الذئاب نهشاً وتمزيقاً ؟ النظرات المحدودة والحلول الصغيرة لن تنفع.