هدى الحسيني

عندما دخل المدعي العام والمحققون الأسبوع الماضي إلى حيث الرئيس المصري المعزول محمد مرسي معتقلا، رفض الإجابة عن أي سؤال، معتبرا أنه الرئيس الشرعي لمصر. كان ذلك بعدما ردد الإعلام فكرة حظر تنظيم جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo;، وتواصلت المظاهرات التي يدعي الإخوان أنها سلمية، إنما بطابع عنفي.

كثير من المصريين يؤيدون أن يسري المنع على كل الأحزاب ذات الأصول الدينية أو غير ذلك إذا أرادت اللجوء إلى العنف وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية.

هناك تساؤل كبير في الشارع المصري: كيف جرت عملية laquo;تعديلraquo; وجود laquo;الإخوانraquo; من تنظيم محظور إلى تنظيم مسموح به، فحتى هذه اللحظة ليست معروفة الأدلة القانونية التي دفعت المجلس العسكري لاعتباره تنظيما غير محظور. يقول لي مصدر مصري إن تنظيم laquo;الإخوانraquo; ظل محظورا حتى سقوط الرئيس حسني مبارك.

بدأ الحظر على تنظيم laquo;الإخوانraquo; منذ زمن الملك فاروق، عندما اغتالوا أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء عام 1945، وكانت هذه أول جريمة سياسية يرتكبونها، ثم اغتالوا رئيس الوزراء حسن النقراشي باشا بعد عشرين يوما من قرار حله تنظيمهم في 8 ديسمبر (كانون الأول) عام 1948. قام التنظيم بعمليات عنف سياسي في فترة الأربعينات والخمسينات، وبناء على ذلك جرى حظره.

ويقول محدثي: ثم جاء جمال عبد الناصر (وكان عضوا في الجماعة). laquo;الإخوانraquo; ساعدوا الضباط الأحرار عام 1952 في الوصول إلى الحكم. يؤكد محدثي أن عبد الناصر كان عضوا في laquo;الإخوانraquo; وأنهم شركاؤه في ثورة 1952، ودب الخلاف بينهما لأن laquo;الإخوانraquo; أرادوا الإسراع في تنفيذ ما أقدموا عليه الآن من تطبيق الشريعة وارتداء المرأة الحجاب، لكن عبد الناصر رفض (انتشر أخيرا على laquo;يوتيوبraquo; شريط لعبد الناصر يروي فيه ما طلبه منه laquo;الإخوانraquo;). ظلت العلاقة قائمة إنما متوترة حتى عام 1954 عندما حاول laquo;الإخوانraquo; اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية، يومها لم يتحرك عبد الناصر عن المنصة، وقال كلمته الشهيرة: laquo;سيبوه يضربraquo;. كانت هذه المحاولة ذريعة لمعاقبتهم، وأقصي التنظيم وأعيد تأكيد حظره مرة أخرى.

يقول المصدر المصري: laquo;أنور السادات كان عضوا في التنظيم، وحتى كل القيادات الفلسطينية من ياسر عرفات إلى محمود عباسraquo;، ويضيف: laquo;جميع الأحزاب الإسلامية السياسية منبثقة من (الإخوان)، بما فيها (القاعدة) و(التكفير والهجرة) و(الجهاد الإسلامي).. كلهم كانوا في فترة ما من (الإخوان)، الذين يبقون التنظيم الأهمraquo;.

عام 2011 جاء من اقتحم السجون وأخرج laquo;الإخوانraquo; منها، وإحدى القضايا المرفوعة على مرسي أنه سجين هارب من سجن وادي النطرون. وهكذا خُدعت مصر وأوصلت سجينا إلى سدة الحكم.

ليست معروفة الصيغة القانونية التي اعتمدها المجلس العسكري في رفع الحظر عن laquo;الإخوانraquo; وعن عبود الزمر ومجموعته (الجهاد الإسلامي) الذين اغتالوا السادات. هؤلاء وقفوا مع مرسي في احتفالات أكتوبر (تشرين الأول) 2012. يروي محدثي أن السيدة جيهان السادات دعيت للمشاركة، لكن عندما علمت بوجود هؤلاء، رفضت الحضور رغم أن مرسي كان صباح ذلك اليوم قلدها وسام السادات، ثم جاء بقتلته، ودعاها للمشاركة في الاحتفال، للظهور بمظهر أن كثيرين يلتفون حول laquo;الإخوانraquo;.

هناك اعتقاد بأن لدى الحكومة المصرية الكثير من الأدلة التي تؤكد أن laquo;الإخوانraquo; لم يتخلوا عن العنف، كأحداث laquo;الاتحاديةraquo;، والهجوم على مقر laquo;الإخوانraquo; في laquo;المقطمraquo; وسقوط قتلى، وكذلك موقعة laquo;الجملraquo; التي ارتكبها laquo;الإخوانraquo; وليس رجال مبارك، ثم هناك تهديدات محمد البلتاجي، وربطه عودة الهدوء إلى سيناء بعودة مرسي إلى قصر laquo;الاتحاديةraquo; رئيسا.

يشير محدثي إلى أن مصر ستواجه ولسنوات مشكلات إرهابية laquo;لأن عملية التواطؤ ما بين الجماعات الجهادية و(الإخوان) لا تحتاج إلى بطاقة عضوية. ثم من هو الأقرب في الأهداف والفكر إلى الجماعات الإسلامية: الإخوان أم العلمانيون؟raquo;. يرى ضرورة البدء بملاحقة قانونية جادة وسريعة لـlaquo;الإخوانraquo; من قبل الحكومة لقوننة أن الجماعة لا تزال محظورة، وبالتالي لا تستطيع العمل السياسي. كثير من المصريين يؤيدون هذا، ويرفضون الإصغاء للتهديد الأميركي بأن مرسي انتخب ديمقراطيا، فالاعتقاد السائد هو: لو أن الشعب ترك مرسي ينهي مدته لأصبحت مصر مثل إيران، ولحكمها laquo;الإخوانraquo; لمائة سنة. وكان الفريق أول عبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع) قال في إحدى خطبه إن مرسي قال له بشكل واضح: laquo;نحن جئنا لنحكم 500 عامraquo;.

الدعوة إذن هي لقوننة حظر laquo;الإخوانraquo;؛ حيث يؤكد بعض المصريين أن للجماعة تنظيمها المسلح، وهناك مجموعات مسلحة أخرى متضامنة معها.

يسألني محدثي: laquo;من حماسraquo;؟ ويجيب: laquo;حماس هي (الإخوان)، فالإخوان لا يصنَّفون على أساس الجنسية، أو الحدود الجغرافية.. هم لا يؤمنون بالحدودraquo;. حسن البنا أسس الجماعة عام 1928 لسببين مرتبطين بعام 1914: انهيار الإمبراطورية العثمانية دولة الخلافة نتيجة الحرب العالمية الأولى، ثم اتفاقية laquo;سايكس بيكوraquo;. حسن البنا رفض تقسيم العالم العربي إلى دول وحدود جغرافية، معتبرا أن لا حدود في الخلافة الإسلامية. يعني أن تخوف بعض الدول، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، من عدم حظر laquo;الإخوانraquo; أمر صائب.. أسأل؟ طبعا؛ يؤكد.. لأنه بالنسبة إلى أبوظبي فإن حظر laquo;الإخوانraquo; مثل حظر إيران تماما. باختصار؛ تنظيم laquo;الإخوانraquo; خطر على كل العالم العربي. أهداف الجماعة السيطرة والانتشار، لهذا لديها فروع في 82 دولة. أما الحركات السلفية؛ فإنها أسوأ، لأنها تكفّر الآخر.

مع انشغال القيادة المصرية باسترجاع القانون الذي حظر laquo;الإخوانraquo;، جرى وضع laquo;خريطة الطريقraquo; التي أعلن عنها الفريق أول السيسي لجهة وضع الدستور.

إن أخطر ما في الدستور السابق، المادة 219 التي تسمى أحيانا laquo;المادة 220raquo;، وهي خاصة بتفسير كيف أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع، وهذا ما تحاول اللجان الالتفاف عليه الآن. يقول المصدر المصري: laquo;إذا أردنا فهم ما يجري الآن، فلا بد من العودة إلى الوراء.. فإذا سمح الدستور المصري الجديد للأحزاب الدينية بممارسة العمل السياسي، فسنعود مرة أخرى إلى هذا الواقعraquo;. يضيف: laquo;لا بد أن نتذكر أمرا أساسيا، وهو أن ما حدث في 30 يونيو (حزيران) 2013 كان نتيجة فشل ذريع وانهيار كامل في النظام المصري بشقيه؛ الحزب الحاكم والمعارضة. اضطُر الشعب إلى الخروج إلى الشارع لأنه المجال الوحيد الذي بقي متاحا أمامه؛ إذ رغم أن مرسي انتخب ديمقراطيا، فإنه ألغى جميع آليات الديمقراطية، وأول إعلان دستوري وضعه في أكتوبر 2012 جعل خلاله من نفسه شخصا فوق القانون وفوق المساءلة.. لم يكن هناك برلمان.. أراد أن يصبح الحاكم بأمر الله. الجيش تدخل لأن الزمرة الحاكمة كانت تعمل من أجل laquo;مصلحة جماعة ضد مصلحة الوطنraquo;. مصر الآن أمام وضع صعب جدا، لأنه بالإمكان تكرار الأخطاء مرة أخرى، وبعد سنة يعود إلى الحكم حزب ديني متحجر وشره، ومعارضة سياسية فاشلة.

هناك من شعر بالارتياح في الشارع المصري لأن جماعة laquo;الإخوانraquo; عندما حكمت عجزت عن أن تكبح جماح طمعها السياسي، لذلك فشلت. الطمع السياسي كان مغريا إلى أبعد حد ففشل laquo;الإخوانraquo; بتركيبتهم وقيادتهم الحالية.

يقول المصدر المصري إنه لا يفهم كيف أن ديمقراطية ناشئة وليست ناضجة كما في مصر فيها 75 حزبا سياسيا، وهناك أحزاب جديدة ستبدأ. يردد: laquo;لا يمكن لمصر أن تحتاج إلى 75 حزبا.. هذا العدد يكشف أن هذه الأحزاب والقائمين عليها لا يفهمون أن الديمقراطية هي التوصل إلى حلول سياسية توافقية. كل الأحزاب ضعيفة حتى تلك ذات الأسماء التاريخيةraquo;.

يبدو أن هناك خللا حقيقيا في محاولة إعادة تكوين وبناء النظام المصري، لذلك فإن مصر أمام مسألة مصير أساسية: هل سيسمح الدستور للأحزاب الدينية بممارسة العمل السياسي؟ إذا سمح، فحسب رأي محدثي؛ عندها على مصر السلام، وستبقى تصارع لمدة 20 سنة مقبلة؛ laquo;لأن الأحزاب الدينية ستتلاعب بالشارع، وتعيد تكرار جميع الأخطاء السابقة، ولا يمكن للشعب المصري أن يستمر في (مهارته) ألا وهي إعادة تكرار الأخطاء وليس تصحيحها من جذورهاraquo;. يضيف: laquo;لذلك يجب أن يكون هناك فصل بين العمل السياسي والأحزاب الدينيةraquo;..

هذه بالتالي معركة الدستور الحقيقية.