صالح القلاب

أي خلل في تقدير موافقة الكونغرس الأميركي على مقترح توجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، بعد جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، سيتحمل مسؤوليته الرئيس باراك أوباما نفسه الذي أظهر ترددا معيبا منذ بداية هذه الأزمة الطاحنة التي توقف على نتائجها مستقبل هذه المنطقة الشرق أوسطية ربما على مدى هذا القرن الحادي والعشرين كله لا يليق بدولة عظمى، بل بالدولة الأعظم، التي من المفترض أن تكون حساباتها شمولية عالمية، وليس محلية، وكأنها إحدى الدول الثانوية المختبئة في ركن مظلم من الكرة الأرضية. ربما باراك أوباما لا يعرف، أو أنه يعرف ولا يريد أن يعترف، أنه بالمواقف والسياسات التي اتبعها منذ بداية انفجار الأحداث في سوريا في مارس (آذار) عام 2011، قد شجّع بشار الأسد، الذي شعر بضعف هذه الإدارة الأميركية وعدم قدرتها على الحسم الذي كانت تهدد به عن بُعد، على التمادي بالتصعيد وبذبح شعبه وأيضا على تحدي المجتمع الدولي البائس الذي شجعت ميوعته المفرطة روسيا على الاستمرار بتحدي العالم كله، والاستمرار باختطاف مجلس الأمن الدولي وتعطيله بصورة غير مسبوقة ولا مقبولة.

في البدايات، اتخذت أميركا مواقف تصعيدية ومتشددة ضد تطاول بشار الأسد وتماديه في تحدي الإرادة الدولية وذبح أبناء شعبه، وهذا في حقيقة الأمر أصاب الرئيس السوري وزمرته بالهلع والخوف، وعزز ثقة المعارضة بنفسها، وجعلها قادرة على القيام بعمليات عسكرية نوعية فعلا أفقدت جيش النظام الثقة بنفسه فكثرت الانشقاقات في صفوفه، وجعلت الإيرانيين ومن معهم يترددون في إقحام أنفسهم عسكريا في معركة كانوا يعتبرونها خاسرة في النهاية وفي كل الأحوال.

في تلك الفترة المتقدمة، أدى laquo;زئيرraquo; باراك أوباما إلى حسابات غير الحسابات اللاحقة، إنْ بالنسبة لنظام بشار الأسد، وإنْ بالنسبة لمعارضيه، ويقينا لو أن الرئيس الأميركي واصل تصعيده ولم يتردد بعدما رسم خطه الأحمر الشهير لكان أجبر الروس وأجبر الإيرانيين وأجبر النظام السوري على الحل الذي بقي يتغنى به، والذي كان عنوانه ولا يزال laquo;جنيف 2raquo; الذي سيذهب إلى مقبرة التاريخ لا محالة، إذا خذل الكونغرس الأميركي رئيس بلاده والشعب السوري وأهل هذه المنطقة والعالم النقي السريرة بأسره، إن هو لم يصوّت على المطلوب ولم يجِز الضربة العسكرية المفترضة.

والأدهى من كل هذا أن إدارة باراك أوباما لجأت في مجال تبرير ترددها وتخاذلها إلى رسم هذه الصورة laquo;الكاريكاتيريةraquo; للمعارضة السورية، وإلى منع السلاح والمساعدات عن هذه المعارضة واتهامها، بما بقي نظام بشار الأسد، ومعه الروس والإيرانيون وباقي أطراف هذا الحلف الشيطاني، يردده، أي بأنها مخترقة من قبل المجموعات الإرهابية المتمثلة بـlaquo;القاعدةraquo; وlaquo;النصرةraquo; ودولة العراق وبلاد الشام، وهذا هو ما يردده الآن أعضاء الكونغرس الأميركي المعارضون لتوجهات الإدارة الأميركية بالنسبة لهذه المسألة، وما ردده أعضاء مجلس العموم البريطاني الذين صوّتوا على رفض مشاركة بلدهم، بريطانيا، على الضربة العسكرية التي كانت مقترحة، والتي لا تزال مقترحة، على الرغم من أن باراك أوباما أكثر في الأيام الأخيرة من التأكيد على أن خياراته لا تزال مفتوحة.

والمؤكد أن تردد أوباما وافتقاره إلى شجاعة وحسم القادة التاريخيين هو الذي جعل مجلس العموم البريطاني يصوت بالطريقة التي صوت بها، وهنا فإن ما زاد الطين بلّة، كما يقال، أن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون أظهر هو بدوره طفولة سياسية لا تليق بدولة كبرى وعظمى، رغم أن الشمس غدت تغرب عن أملاكها، وغدت حتى إسبانيا تطالب باستعادة جبل طارق laquo;السليبraquo; من خلال التلويح بقوتها العسكرية، لها مصالح حيوية واستراتيجية في هذه المنطقة الشرق أوسطية الحساسة التي كانت ذات يوم جزءا من أملاكها هذه التي لا تغرب عنها الشمس.

وهكذا، فقد خذل باراك أوباما بتردده وبميوعته السياسية حليفه رئيس وزراء بريطانيا laquo;العظمىraquo;، فجاء تصويت مجلس العموم البريطاني بالطريقة المعروفة التي صوّت بها، وكذلك فقد خذل ديفيد كاميرون بسذاجته وطفوليته السياسية رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ودفعه إلى قرار الرجوع إلى الكونغرس الأميركي لتفويضه بـlaquo;الضربة العسكريةraquo; المفترضة، وذلك مع أن هذا القرار من صلاحياته، على اعتبار أنه القائد الأعلى لجيوش الولايات المتحدة.

والآن، وقد باتت هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الكونغرس الأميركي قد يخذل رئيس بلاده، ويخذل العالم الحر، ويخذل الشعب السوري بالتصويت ضد الضربة العسكرية المفترضة، فإن هذا إنْ هو حصل وهو قد يحصل، فإن باراك أوباما سيثبت أنه لا يستحق موقع رئيس الدولة التي تقود الكرة الأرضية، والتي تشكل القطب الأوحد في هذا الكون، بل سيثبت أيضا أنه أضعف رئيس سكن البيت الأبيض، وتربع على عرش الإمبراطورية الأميركية، وأن عليه أن يبكي ملكا مضاعا لم يحافظ عليه مثل الرجال! ربما أنه لا يجوز استعجال الأمور أكثر من اللزوم، وأنه بعد كل هذا الانتظار، الذي طال أمده، لا بد أيضا من الانتظار حتى اللحظة الأخيرة فقد يتخذ الكونغرس الأميركي القرار الذي يحافظ على هيبة رئيس بلاده، والذي ينسجم مع مكانة الولايات المتحدة في هذا العالم المضطرب الذي يشهد رسم خرائط كونية جديدة غير الخرائط الحالية والخرائط السابقة الموروثة، وأيضا الذي يحافظ على المصالح الأميركية الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط التي من المبكر جدا أن ينظر إليها بعض الأميركيين بأنها لم تعد منطقة مهمة، ولا منطقة مصالح حيوية لبلادهم المنثورة جيوشها في معظم أركان الكرة الأرضية، التي تواجه تحديات فعلية ببروز الصين على هذا النحو وبروز مجموعة الـlaquo;بريكسraquo; الصاعدة المعروفة.

ولهذا، وإذا خذل الكونغرس الأميركي رئيس بلاده باراك أوباما، الذي بتردده وعدم قدرته على الحسم قد يخذل هو أيضا أميركا ويخذل كل الذين يراهنون على مواجهتها لكل هذا التلاعب الخطير، ليس بأمن سوريا واستقرارها فقط، وإنما بأمن الشرق الأوسط واستقراره كله، فإنه سيكون بمثابة الطامة الكبرى، فهذه المنطقة معروفة بأنها تكره الفراغ، وأن الذي سيملأ الفراغ فيها هو إيران بتطلعاتها التمددية وبمشاريعها الإقليمية المعلنة والمعروفة، وهو فلاديمير بوتين بنزعته القيصرية التي لم تعد تخفى حتى على أصحاب العقول الصغيرة والنظرات القاصرة.

كان باراك أوباما قد قال وهو يتحدث عن دوافع الضربة العسكرية، التي تحدث عنها بعد طول تردد وميوعة سياسية تفتت الأكباد، إن هذه الضربة، بالإضافة إلى الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا ضد أطفال الشعب السوري الأبرياء، ستكون موجهة إلى إيران لردعها عن المضي في محاولات إنتاج الأسلحة النووية وإلى كوريا الشمالية وإلى حزب الله، والحقيقة إن ما لم يقله الرئيس الأميركي في هذا المجال إن الضربة العسكرية المفترضة هذه تستهدف أيضا روسيا ونفوذها، ليس في الشرق الأوسط فقط، وإنما في العالم بأسره. وبالنتيجة، فإنه إن خذل الكونغرس الأميركي رئيس بلاده وخذل كل قوى الخير والإنسانية في العالم بأسره، وصوّت ضد الضربة العسكرية المفترضة، فإن الولايات المتحدة ستنكمش على نفسها بالتأكيد، وستخرج من المنطقة الشرق أوسطية نهائيا، وسيواصل الإيرانيون هجومهم الكاسح في هذه المنطقة، وسينتجون لا محالة الأسلحة النووية التي يحاولون إنتاجها، والفوضى ستعم الشرق الأوسط، وlaquo;القاعدةraquo; وغيرها من التنظيمات الإرهابية ستستوطن فيه.. وعندها، فإن الأميركيين سيعضون أصابعهم ندما، ولكن عندما يكون laquo;قد فات الفوتraquo;، وعندما لا ينفع الندم!