علي سويدان

صحيح أن الرئيس جمال عبد الناصر أخرجنا من مسمى (الخليج الفارسي) إلى مسمى الخليج العربي ولكن ذلك لم ينفعه كثيراً، فكلنا اليوم يستحضر ما كانت عليه الأحوال في عهده رغم حزنه رحمه الله على الأمة بسبب تخاذلنا نحن العرب، نعم حين أستحضر تلك الشخصية التي يحتاجها العرب أتباع النبي العربي صلى الله عليه وسلم، حين أستحضر كل هذا أقول في نفسي: (ليتني كنتُ ناصرياً)! أما اليوم فلا جديد في شأن المنطقة وفي الشأن السوري، سوى نشرة الأخبار فالحكاية هي الحكاية، والحبكة هي الحبكة والمشهد لا يحكمه إلا الوقت، فليس لدينا عزيمة أو نشاط أو تفاعل ضد أي موجة تواجهنا أو أي عدوان خارجي علينا، لم نتصدر لأي قضية ولم يكن لدينا أي عنفوان أو تحمس كما فعلنا ضد سورية؛ بدأ الأمر بإتاحة المجال للإخوان المسلمين في المنطقة نظراً لتعطشهم العميق لرد اعتبارهم بعد حالة من الاصطدام مع الدول في القرن المنصرم ليقع الصِدام من جديد لافتقار الإخوان لخبرة الحكم وحتى نصل لتلك الفوضى (الخلاّقة)!
وحتى تكون الحكاية مقبولة ويسهل تمريرها على قوى العالم مثل روسيا والصين وغيرها، أما العرب فلا حاجة لتمرير شيء عليهم فردود أفعالهم تنبع من الحسد على بعضهم وتتجه نحو البطولات أيضاً على بعضهم! لذلك استيقظت روسيا والصين بعد سقوط القذافي رحمه الله - أخشى أن يكون القذافي كافرا ومَنْ يترحَّم عليه أيضاً كافر - نعم انتبهت روسيا والصين أن أميركا متجهة وحدها لتلتهم منابعَ جديدةً للنفط والغاز في سورية، وبعيداً جغرافياً عن إسرائيل بدأت الثورة بالياسمين في تونس وصفقنا جميعاً للياسمين وإذا الهدف هو الياسمين الدمشقي! وقلنا ذلك قبيل ثورة مصر في 25 يناير وقلنا أيضاً ان الحكاية هي حكاية إسرائيلية والخوف الأميركي على دماء العرب ليس له نبض في العراق مع أن القتل يرتع فيه يومياً؛ حتى نحن لماذا نرأفُ بالعراق؟ فلْتُرافِقْهُ لعنةُ الدماء للأبد! فمِنْ صالِحِ إسرائيل ألا تقوم قائمة للعرب في ثلاث دول: العراق وسورية ومصر؛ فهي بلاد الأنهار والطاقات المتجددة وليست بلادا ثرواتها قابلة للنفاد، هي بلاد الحضارات المتعاقبة عبر التاريخ؛ إنها حلم إسرائيل (من الفرات إلى النيل)، وهي تحت المجهر أمام إسرائيل وأمام يد إسرائيل وهي أميركا؛ فالعراق انتهى أمره حالياً وهو يجتر الدماء والفقر والتناحر وهو مشغول بجراحه وهمومه، ومصر فيها ما فيها، وسورية هي حديث الساعة.
كلنا يذكر أن العراق قبل عام 2003م، أضاء لأميركا أصابعه ليس العشرة بل العشرين! ومع ذلك تم العدوان على العراق بذريعةِ أسلحة الدمار الشامل التي اعترف لاحقاً وزير خارجية أميركا السابق (كولن باول) أنها خدعة وتم تفتيت قدرات العراق وتأجيج الفتنة فيه وزرع الإرهاب فيه، وخلال تواجد أميركا في العراق أسست للفكر التكفيري فيه وجعلته منطلقاً للإرهاب في المنطقة، وتم استيراد كوادر مدربة في غوانتنامو وهو مصنع الإرهاب في العالم وليس معتقلاً كما هو معلن، وقد يقول قائل: هل من المعقول أن تزرع أميركا مقاتلين باسم الجهاد والاستشهاد في العراق كي يستهدفوها ويلحقوا القتل والضرر بقواتها في العراق؟ والجواب: نعم، وهل نعتقد أن أميركا تخاف أو تحرص على مقاتليها؟! الجيش الأميركي أيها السادة العرب جيش مكون من شركات كبرى أمنية وقتالية واستخباراتية وليس جيشاً وطنياً! بل هي أشبه بمناقصات تحصدها كيانات قتالية.
هذه هي أميركا أيها العرب، هكذا بدأت حين تأسس كيانها على أجساد الهنود الحمر بإبادات جماعية، والهنود الحمر كما نعلم هم سكان أميركا الأصليون، وكانت أرض أميركا مستعمرات إنكليزية وأخرى فرنسية اسْتُجْلِبَ إليها آسيويون وأفارقة وأوروبيون؛ وكان الأوروبيون البيضُ سادات أميركا والباقون في خدمتهم حتى ساوى بينهم (مارتن لوثر كنج)، لكن دماء الهنود الحمر ستبقى لعنة على المعتدين، أنتوقع ممن امتلأت صفحات التاريخ دماء بأسمائهم أن يأتوا لنا بالخلاص من مشكلاتنا؟! وبم نصف مَنْ يضع منا يدَه بأيديهم ضد أبناء جلدته؟ نحن تفهَّمْنا اللعنةَ التي أنزلناها على العراق بسبب غزوه المشؤوم للكويت، وكان ذلك نتيجة حتمية لحرب ضروس بين العراق وإيران، ولكن كان كل ذلك أشبه بمقبلات من أجل عدم الاعتراض رغم أننا ننزف بسبب العراق، ولكنها حكاية العرب أمام الطامعين بثرواتهم، الطريق طويلة مع جراحاتنا ومع غدرنا ببعضنا، ومما يثير العجب أن سورية ما زالت تقول حتى الآن: لم ينتهِ المشوار يا عروبة!