طلال آل الشيخ

الأزمة السورية وتداعياتها كشفتا تراجع الدور الأميركي على المستوى العالمي خلال فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، وفضحت هشاشة وضعف مواقفها، وفقدانها الميزة التي ظلت تلازم السياسة الأميركية الخارجية في كل الحقب باعتبارها دولة عظمى قادرة على اتخاذ القرارات والمواقف والمبادرات الصعبة وحشد العالم خلفها.
ربما أصابت أميركا لعنة quot;الشرق الأوسطquot; إن كان جديداً أو قديماً، وجعلتها تتراجع وتترك الساحة عبر العالم لغيرها من القوى الأخرى، على حساب هيبتها وسمعتها، صغيرة كانت تلك الدول أو كبيرة، فبعد قرار ضرب معاقل الإرهاب في أفغانستان وتغيير نظام صدام حسين في العراق، ظل الدور الأميركي في تراجع مستمر، لدرجة أن الحضور الأميركي في ضرب نظام معمر القذافي وفرض حصار جوي عليه كان خافتاً ومتوارياً خلف زخم الحضور الفرنسي والأوروبي، كما أن حضورها في بلدان الربيع العربي وما يحدث فيها كان ضعيفا ومرتبكا، ففي مصر توارت أميركا خلف مواقف ضبابية جعلت غالبية النخب السياسية المصرية تضعها تهكماً في سلة واحدة مع الإخوان المسلمين.


تداعيات حرب العراق، جعلت أميركا تتبع سياسة quot;إدارة الظهرquot; للأزمات والمشكلات حول العالم، فكانت المشكلات تنتج حلولاً من داخلها، أو تتفاقم وتتجاوز كل الخطوط الصفراء والحمراء، وذلك ما يفسر موقف أميركا من الأزمة السورية، إذ إن النظام السوري تجاوز الخطوط الحمراء التي ظلت تتمسك بها إدارة أوباما من أجل التحرك وحماية الشعب السوري، ورغم ذلك لجأ أوباما إلى موافقة الكونجرس الأميركي، قبل أن تتحرك روسيا بمبادرتها الأخيرة ليسير أوباما في ركابها مطأطئ الرأس، وهو الذي كان من الواجب عليه أن يتخذ موقفا لحماية الشعب الأعزل الذي يواجه الموت يومياً بكل أصناف الأسلحة المحرمة والممنوعة دون رقيب أو حسيب، فحتى بريطانيا التي ظلت باستمرار حليفة لأميركا، خرجت من عباءة واشنطن، وذهبت تبحث عن مواقفها المستقلة نتيجة ضعف مواقف البيت الأبيض وتراجع هيبة أميركا حول العالم.
خطورة هذا التراجع الكبير تكمن في عدم احترام كثير من الأنظمة القمعية والمجموعات المسلحة للإنسان والأعراف الدولية والحريات التي يفترض بأميركا كقوة أن تقف حامية لها.
إن فشل أميركا في ضرب النظام السوري يقود مباشرة إلى تعنت النظام الإيراني في موقفه من مشروعه النووي، وعدم احترام تنظيمات مثل حزب الله للقوانين الدولية والاتفاقات التي تحفظ الأمن والسلام.. تراجع الدور الأميركي يعني انتشار الفوضى في العالم في ظل غياب قوة رادعة قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها ولجم الفوضى.
السياسة الأميركية في عهد باراك أوباما فقدت ميزة امتلاك زمام المبادرة، والتي ميزتها في القرن العشرين وجعلت منها أعظم قوة على وجه الأرض، فباتت بعض الأنظمة تستغل غياب تلك الميزة وتتعنت في مواقفها وانتهاكها للإنسان.
النظام السوري ينفذ خططه ومستمر في مواقفه دون أن يكترث لموقف واشنطن أو بقية الدول، والإدارة الأميركية علقت موقفها بأعضاء الكونجرس، وحاليا بالمبادرة الروسية التي ستطول ويطول تنفيذها، مما يطيل من عمر النظام الوحشي للقضاء على المزيد من أبناء الشعب السوري.