حسان حيدر

قد يكون من المبكر الحكم على امكان نجاح الاقتراح الروسي بوضع ترسانة بشار الاسد الكيماوية تحت المراقبة الدولية قبل تدميرها، ذلك ان المفاوضات بين الاطراف الدوليين لا تزال في بدايتها وسط شروط وشروط مضادة، لكن الموافقة السورية الفورية عليها ثم قبول الولايات المتحدة بمنحها فرصة، يرجحان التوصل الى تسوية ما، ويثبتان في الوقت نفسه مجموعة من الحقائق عن طبيعة نظام دمشق والادارة الاميركية الحالية.

فإحدى ركائز النظام الذي ارساه حافظ الاسد قبل اربعين عاما ونيف هي الاستقواء بالخارج على الداخل، اي اعطاء الاولوية والجهد والاهمية لكل ما هو خارج سورية وتجاهل الداخل السوري تماما، إلا اذا شكل خطرا ما، عندها يصبح التعامل معه كمعاملة السجان الغليظ القلب لسجين متمرد.

ولأن الخارج مهم، يجب عدم استفزازه الى الدرجة التي تضطره الى قطع كل الخيوط واستخدام القوة.

حصل هذا من قبل. ففي العام 1998 بلغ التوتر أوجه بين النظام السوري وتركيا التي هددت باجتياح الاراضي السورية وحشدت جيشها عند الحدود متهمة دمشق بدعم هجمات laquo;حزب العمال الكردستانيraquo; واحتضان زعيمه عبدالله اوجلان. وفهم السوريون ان تصرف تركيا العضو في laquo;حلف شمال الاطلسيraquo; يلقى تأييدا من دول كبرى، فانصاعت دمشق للتهديد واخرجت اوجلان من اراضيها ممهدة لاعتقاله، وتعهدت بوقف دعمها للمتمردين الاكراد.

واليوم يتكرر الموقف نفسه لكن في ظروف مختلفة: عندما احست دمشق بأن التهديد الاميركي بتوجيه ضربة الى مفاصل جيشها يقترب من التنفيذ لانعدام المخرج السياسي، طلبت من راعيها الروسي تقديم مبادرته التي اعلن عنها خلال زيارة وليد المعلم الى موسكو، علما ان الاعلان عن هذه الزيارة سبق انعقاد قمة laquo;مجموعة العشرينraquo; في سان بطرسبورغ، اي ان المبادرة كانت جاهزة وبحثها بوتين مع اوباما خلال لقائهما القصير على هامش القمة، باعتراف كليهما.

وهكذا اظهر النظام السوري مرة اخرى انه مستعد لتقديم اي شيء في سبيل بقائه، وجاهز لاسقاط كل الشعارات عن laquo;التوازن الاستراتيجيraquo; مع اسرائيل و laquo;الممانعةraquo; عندما يتعلق الامر بمصيره. المهم ان لا يقدم شيئا لشعبه وان يبقى قادرا على الامساك بآلة القمع التي اطلقها ضده.

اما واشنطن التي طبعت معالجتها الملف السوري سلسلة من التراجعات بتبريرات غير مفهومة احيانا حتى لاعضاء الادارة نفسها، فوجدت في المبادرة الروسية طوق نجاة من المغامرة العسكرية غير المرغوبة اصلا، رغم مواقف التمنع والحديث عن ابقاء الخيار العسكري قائما وعن مهل زمنية، وسواها من لوازم التفاوض.

تنفس باراك اوباما الصعداء لانه لم يعد مضطرا الى الخروج عن عقيدته اللاحربية طالما ان هم ادارته الاساسي، اي أمن اسرائيل، يمكن ضمانه بدون استخدام عضلات جيشه. ولا مانع ايضا من الضحك على الروس وايهامهم بأنهم عادوا قوة دولية تستطيع مقارعة الدولة العظمى الوحيدة، لان بالامكان تجاوزهم في اي وقت واي مناسبة.

خاسر وحيد في كل هذه المعمعة هو المعارضة السورية: جيش الاسد يضربها بكل ما أوتي من قدرة يؤارزه حلفاؤه الايرانيون واللبنانيون، ولن يتوقف عن ذلك. والغرب يتخلى عنها عمليا متذرعا بانقسامها واصولية بعض اطرافها غير عابئ حتى لو طالت الحرب الاهلية سنوات طالما انها لا تشكل تهديدا اقليميا، وكأن المشكلة مع نظام الاسد كانت في نوعية ما يستخدمه من اسلحة. اما العرب المنقسمون فلا حول لهم ولا قوة.