أمينة خيري

يقولون إن أيلول (سبتمبر) من كل عام يأتي محملاً بنسائم الخريف وروائح موسم الدراسة وتمائم تغيير الفصول! ويقولون أيضاً إن المصريين يتصفون بصبر أيوب ويتحلون بحكمة لقمان ويملكون عزيمة نوح منذ فجر التاريخ، إلا أن تواتر ثلاثة رؤساء على حكم البلاد يحمل كل منهم لقباً أغرب ممن قبله يضعهم على محك رئيس رابع يحمل لقباً أكثر غرابة!

فمن رئيس laquo;مخلوعraquo; تفاخر البعض بخلعه في 18 يوماً بعد 30 عاماً من الصبر والسلوان بفعل تفشي الظلم وسيادة الطغيان، إلى رئيس laquo;معزولraquo; يفاخر البعض بعزله بعد 365 يوماً من الصدمة والاستغراب بفعل الإخوان والاستقواء بـ laquo;الأهل والعشيرةraquo;، إلى رئيس laquo;موقتraquo; تجد الغالبية صعوبة بالغة في تذكّر اسمه إن كان laquo;مدحتraquo; أم laquo;عادلraquo; رغم أنه laquo;عدليraquo;، إلى ترقب رئيس laquo;منتظرraquo; يستحيل توقع ما قد يمكن أن يكون عليه من ظلم أو عدل، أو مستقو بعشيرة أو شعب، أو اسمه يصعب تذكره أو يسهل!

لكن أسهل ما يمكن عمله في ظل الوضع السياسي الراهن هو استنشاق نسائم واستشعار روائح واستشراف تمائم موسم الإحماء للمنافسة على كرسي رئيس مصر القادم.

وحيث إن كلمة laquo;القادمraquo; تلازمت في أذهان المصريين المعايشين لثورتي laquo;ينايرraquo; و laquo;يونيوraquo; بكلمة laquo;أسوأraquo;، حيث انتشرت مقولة laquo;تمتعوا بالسيء فإن القادم أسوأraquo;، فقد بات الجميع يستشعر موسم الإحماء الرئاسي، لا بكثير من الحماسة وقليل من التخوف، ولكن بشيء من الترقب وكثير من الخوف والرعب. فبعد تجربة واقعية وثقت نظرية laquo;نار مبارك ولا جنّة مرسيraquo;، وأظهرت حقيقة مقولة laquo;المخلوعraquo; الشهيرة laquo;أنا أو الفوضىraquo; متجسدة في تصرفات laquo;المعزولraquo; الشهيرة أيضاً طيلة عام من الحكم الإخواني، بات المصريون يتشككون في كينونة الديموقراطية وصيرورة المرحلة الانتقالية وهوية الدولة المدنية وتركيبة من سيجلس على الكرسي!

كرسي الرئاسة الذي يئن مقعده إما لطول فترة جلوس البعض أو لطريقة جلوس البعض الآخر أو عدم ثبوت جلوس آخرين يستشعر جهوداً مبذولة ترمي إلى الاقتراب منه والتقرب إليه والمقاربة من أجله!

من أجل الكرسي أم من أجل مصر؟ سؤال يتردد إما قولاً أو فعلاً أو شعوراً لدى عموم المصريين مع هبات الاستعدادات بين معلنة ومتخفية ومتمناة. تمنى كثيرون ألا تعيد وجوه بعينها إطلالتها عليهم بعد جولة سابقة وضعت نقاطاً توضيحية على الكثير من الحروف المخفية، سواء في التركيبة الشخصية أو الانفعالات اللحظية. فمن مناظرات كشفت عوار المتناظرين، إلى تصريحات فضحت عنجهية هذا أو عصبية ذاك، إلى ما بعد إعلان النتيجة وتصرفات هؤلاء وردود فعل أولئك. إلا أن نيل المطالب لا يتحقق بالتمني، بل تؤخذ دنيا المرشحين غلاباً.

غلبة ترجيح قطاع عريض من المصريين لنظرية laquo;لازم رئيس عسكري أو بخلفية عسكريةraquo; حتى يعدل المائل ويضبط غير المنضبط ويعيد الفئران إلى جحورها مع الإعلان عن الرفض التام لمبدأ laquo;الشوربة والزباديraquo; المعروف بـ laquo;من لسعته الشوربة ينفخ في الزباديraquo; معللين ذلك بـ laquo;لم يعد الوقت يسعفنا لشرب الشوربة أو أكل الزباديraquo; تصب في اتجاه ما يتمناه البعض من أن يترشح وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي للرئاسة تحت مسمى laquo;كمّل جميلكraquo;. وواقع الحال يشير إلى أنه ليس مجرد مسمى، بل شعور عارم يجتاح قطاعاً من المصريين ممن رأوا في خطوات السيسي العازلة لمرسي الخلاص الأكيد من النفق العتيد والمصير الرهيب اللذين كانا في انتظار مصر تحت حكم الجماعة.

ولأن حكم الجماعة دفع البعض دفعاً لطلب الغوث وضمان النجاة عبر طوق عسكري، فهناك بشائر ترشيحية تلوح في أفق الفترة الانتقالية منبئة بتفكير قد يدفع شخصيات عسكرية مثل رئيس الأركان السابق الفريق سامي عنان، أو رئيس جهاز الاستخبارات العامة السابق اللواء مراد موافي للرئاسة، وهي البشائر التي تلقى صدى إيجابياً مبدئياً لدى قطاع من المصريين ممن هم متعلقون بتلابيب رئيس laquo;عسكري حالي أو سابقraquo; لانتشال البلاد من laquo;فوضى الإخوانraquo;.

وبين خبير استراتيجي مؤكداً أن رئيس مصر القادم لواء متقاعد، ومحلل إخباري مرجحاً أن يكون عقيداً سابقاً ومفكر أمني مشيراً إلى أنه يجب أن يكون وزيراً حالياً، يجول المصريون ويصولون في تكهنات وتوقعات رئاسية مقبلة.

هذه التوقعات لا تخلو من إرهاصات لجولات سابقة، وعدت مرة بأن يكون هذا المرشح laquo;واحداً منناraquo; ثم انقلب كثيرون عليه، وآخر قدّم نفسه باعتباره نصير الفقراء وحبيب المهمشين الذي يشكلون قوة عددية ضاربة من شأنها أن توجّه دفة الانتخابات، فإذ به يحصل على عدد أصوات لا يرضي عدواً أو حبيباً. ويتعجب كثيرون هذه الأيام من عودة المرشح الرئاسي السابق السيد حمدين صباحي لدائرة الضوء، على الأقل من خلال شن حملات عنكبوتية وأطروحات فكرية واختبارات بالونية لقياس مؤشرات الشارع الانتخابي، مع مراعاة إخفاء شعار حملته السابقة laquo;واحد منناraquo;! في السياق نفسه، اختار داعمون للمرشح الرئاسي السابق السيد خالد علي شعار laquo;واحد مننا بجدraquo; ليكون عنوان حملة لترشحه وهو ما جعل البعض يتساءل حول الغرض من كلمة laquo;بجدraquo;، وهو ما يحمل تشكيكاً في كون صباحي laquo;مننا كده وكدهraquo;، أو اقتراحاً أن يكون العنوان laquo;واحد مننا بجد وبحق وحقيقي والمصحفraquo;!

وبينما المصريون ينتظرون ما ستسفر عنه بورصة الترشيحات التي لا تخلو كعادتها من مفاجآت اللحظات الأخيرة ومنغصات التجارب الأليمة وأكاذيب ترويجية على غرار laquo;لست إخوانياً لكن أحترمهمraquo; أو laquo;لست علمانياً لكن أتقبلهمraquo; أو laquo;لست مع أحد ضد أحدraquo;، تتابع الملايين تضارب وتوافق وتناحر الترشيحات الأولى، بين سرقة شعار سابق لمرشح بغرض تشويهه، وتنسيق داعمي مرشح آخر للاجتماع لاختيار laquo;مرشح الثورةraquo; بغرض توفير عنصر المفاجأة للمرشح أمام الإعلام، وتنافس حملات متعددة على مرشح واحد بدءاً بـ laquo;مصر قد الدنياraquo; ومروراً بـ laquo;السيسي رئيسيraquo; و laquo;اترشحraquo; و laquo;كمّل جميلكraquo; رغم ما تردد حول مطالبة السيسي نفسه بوقف مثل تلك الحملات وهو ما تم الرد عليه بحملة laquo;مش بمزاجكraquo;!