بسام البدارين

لا يقصد كثيرون بطبيعة الحال الولوج الى تلك المساحات الضيقة المسكوت عنها في لعبة السياسة الداخلية الأردنية عندما يتعلق الأمر بمحاولة استقراء أسباب وخلفيات وأسرار ونتائج وتداعيات حادثة الكلاشينكوف الشهيرة.
إطلاق رصاص من سلاح كلاشينكوف داخل حرم البرلمان الأردني حدث إرتقى الى مستوى الفضيحة السياسية والأمنية وساهم مجددا في بروز الأردن بخبر سلبي جدا على المستوى الاعلامي الكوني.
الفضائيات في أربع قارات على الأقل تطرقت للموضوع وأكثر من ألف صحيفة وموقع الكتروني خارج الأردن تحدثت عن الواقعة.
قبل ذلك حصلت نفس التداعيات السلبية والتي لا تعكس حقا حقيقة وجوهر الإنسان الأردني ومؤسساته عندما رفع أحد أعضاء البرلمان مسدسا ولوح به ضد خصم سياسي أثناء برنامج حواري على إحدى الفضائيات.
عندها بثت محطات تلفزيونية في المكسيك واليابان مثلا شريط الفيديو الذي أظهر حادثة المسدس.
لاحقا التقطت صورة شهيرة لأحد أعضاء البرلمان أيضا وهو يضع يده على جراب مسدسه أثناء مشاجرة بين نائبين تدخل بها وتحت القبة غرباء يحضر عليهم القانون أصلا الدخول تحت قبة البرلمان.
وقبل هذه المظاهر المسلحة شاهد العالم أحذية تتطاير من برلمانيين ضد بعضهم البعض كما استخدمت الأوراق وعبوات المياه والمايكرفونات في مشاجرات برلمانية من ذلك الطراز الذي يحصل بين الصبية في الأحياء الشعبية.
وأظهر نواب أمام الكاميرات وبصورة علنية فاضحة قدرتهم على استعراض قواهم البدنية فاستخدمت الأرجل في الركل والقبضات في توجيه صفعات وبدا عشرات المرات ان كل هذه المشاحنات والتجاذبات يمكن ان تحصل في اي لحظة ولأي سبب حتى وصل الجميع لمستوى الاحتكاك برجال الامن وتحديهم والدخول بالاسلحة عنوة لقبة البرلمان.
اللافت جدا في الأمر ان هذه المعارك البدنية والمسلحة ومشاجرات العضلات والأسلحة تسبب بها في اكبر تعديل خمسة فقط من الأعضاء وهو ما يشير له علنا رئيس مجلس النواب سعد هايل السرور.
واللافت ان بعض هؤلاء الخمسة كرروا على نحو غريب نفس المشاهد وفي عدة مناسبات.
والمثير للشفقة في الواقع هو الملاحظة التالية: جميع هذه المشاجرات لم تكن على خلفية نقاشات لملفات سياسية او لأطر تشريعية او خلال جلسات تتعلق بالموضوعات الهامة والتحديات الأساسية التي تواجه البلاد خصوصا وأن المملكة تعيش أجواء رهانات وجودية في الواقع.


لم يتسن للمواطن الأردني ان يشهد انفعالا من اي درجة لأي من ممثلي الشعب لصالح الاصلاح مثلا ولم يتسن لي كمراقب ان ارصد مشاجرة واحدة فقط واحدة سببها تنافس النواب او صراعهم ضد الفساد.
لم ينطلق احد لصالح البلاد ولم يظهر اي سلاح حفاظا على وجود الاردن ولم تظهر تلك الامكانات الجسدية المرعبة واستعراضات العضلات خلال مناقشة اي قانون مهم للبلاد أو العباد ولا في اطار الحمية الوطنية او الحرص على الناس او الحفاظ على الثروات الوطنية المسروقة او حتي في سياق حماية النظام والوقوف معه.
كل المشاجرات التي رصدت حتى اللحظة بائسة وسقيمة وشخصية الدوافع ولها علاقة مباشرة اما باصرار احد النواب المشاكسين على التحدث دائما خارج سياق النظام الداخلي او بتعليق سخيف هنا او هناك او برغبة بعض مراكز القوى ولعبة البرلمان باستمرار مهرجان الفوضى نكاية برئيس البرلمان مرة ونكاية برئيس الوزراء مرة اخرى.
يعني ذلك عمليا ان مظاهر العنف المتشنجة والعدائية شبه مجانية ولا معنى لها ولا تشعر بوجود منطلق سياسي أو وطني خلفها وبالتالي هي نتاج ليس فقط لقانون الصوت الواحد الانتخابي انما ايضا نتاج لتزوير الانتخابات او لاقتناع بعض اوساط القرار بضرورة تبديل القيادات ومنح الفرصة لشخصيات سلوكها يصلح في الواقع لمدرسة ابتدائية غير منضبطة وليس لمؤسسة مثل البرلمان.
كل تلك المظاهر الغريبة وعندما برزت بخجل لم يتم التعامل معها وفقا لاطار الدستور والقانون وجميع المعالجات انتهت بالطريقة التراثية البائسة التي تصلح للمسلسلات وليس لمؤسسة انتاج وطنية مثل مجلس النواب.
غالبا ما يندفع من يحرضون بعض النواب الذين لا يحتفطون بخبرة حقيقية من اي نوع لاجراء مصالحات سخيفة على طريقة (تبويس اللحى) او عبر عقد سهرة مع كمية هائلة من الطعام هدفها مصالحة نائب تشاجر مع اخر وبطريقة بدائية مؤسفة متخلفة دون وجود لجنة سلوك او نظام عقوبات حقيقي للمشاغبين.
سكتت الدولة بجميع مؤسساتها وأجهزتها على التنامي الفاضح لهذه الخشونة وليس سرا ان اكثر الأعضاء ميلا للخشونة واستخدام اليد بدل العقل تم تشجيعهم من قبل مسؤولين بارزين في كل مستويات القرار لا بل تم استخدامهم أحيانا في معارك ذات بعد شخصي تسحب من رصيد النظام ولا تمثل الا اجندة ومصالح صاحبها.
دون قراءة واقعية لحادثة الكلاشينكوف وفقا للأبعاد والخلفيات لا يمكن الاستفادة من الدرس ولا الانتقال لتعبير حضاري عن الخلاف ولا تجاوز السلسلة اللامتناهية من الانفلاتات الأمنية التي يشهدها المجتمع.
النائب الذي يحتفظ بسلاح فردي في جيبه او سلاح رشاش في سيارته هو ماكينة متنقلة للقتل واطلاق مبررات واهية من طراز توفير الحماية لعضو البرلمان تبرير ابشع من الجريمة وينبغي عليه ان يعدل القانون الذي يسمح للنواب بحمل اسلحة فردية وكذلك للوزراء.
حصانة البرلمان لا تعني السكوت عن مثل هذه الفضائح والطبقة السياسية التي اختيرت بعناية مؤخرا عبر روافع التزوير او ابعاد الكفاءات الحقيقية لا يمكنها بكل الأحوال تقديم خدمة من اي نوع وفي اي وقت للنظام ومؤسساته بل على العكس تماما تنتج هذه الطبقة أطنانا من الأعباء فمن يحمل مسدسا اليوم تحت قبة البرلمان قد يشعر مستقبلا بان من حقه التجول في دبابة او تحشيد المزيد من المسلحين والحصول على ما يعتقد انه حصته من اي كعكة بقوة الرصاص والسلاح .


دعونا نقولها بصراحة ووضوح : الدعم الذي يقدم في السر والعلن من قبل مؤسسات الدولة لبعض بلطجية السياسة ينبغي ان يتوقف وفورا .. وفكرة الاعتماد على شخصيات جديدة مضمونة في مواقع الصف الأول ليس فقط في البرلمان ولكن في كل مؤسسات الوطن لم تعد منتجة لا بل مكلفة وستدفع المؤسسة ثمنها قبل المجتمع والدولة.
الحل واضح برأي احد ابرز خبراء المؤسسة البيروقراطية فطبقة كبار الموظفين وكبار الذين تزور الانتخابات من اجلهم، والذين تفصل المواقع والوظائف على مقاسهم ينبغي ان تتراجع الى الصفوف الخلفية ومن اعتادوا على التقدم للصف الامامي بعد اختيارهم بالمعيار الامني فقط عليهم ان يأخذوا حصتهم من دم وحلم ومستقبل الاردنيين ويرحلوا اليوم وليس غدا.
دون ذلك سيتكرس مشهد مدرسة المشاغبين بكل ما فيه من مرارة حيث يضرب التلاميذ بعضهم ويحاول أحدهم إغتصاب المعلمة أو تدخين الحشيش فيما تنطفىء الأضواء بفعل تخريبي ويظهر مدير المدرسة في حالة مرثية وقد فقد شعره وأسودت وجنتاه وسحل بنطاله.