زهير الحارثي

الاتفاق الأميركي الروسي جاء نتيجة للدور الذي لعبته الدبلوماسية الروسية في الأيام القليلة الماضية والذي غيّر مسار الأزمة السورية وبعثر الأوراق بشكل مفاجئ. روسيا استطاعت بمبادرتها أن تنقذ أوباما من المأزق الذي ورّط نفسه فيه، بل وفتحت أبواباً من الأمل لنظام الأسد في البقاء هذا إذا لم تعطه شرعية جديدة بذلك.

إن سقوط النظام السوري أمر بات مطلوباً ووضع طبيعي لما آلت إليه الأمور في الداخل، وانتهاء مرحلة بشار صيرورة حتمية كونها ستدشن مرحلة فارقة ولافتة في المنطقة، وستفتح الباب على مصراعيه لاستقرار سياسي في المنطقة وسيسقط المشروع الإيراني
أصبح واضحاً أن ثمة قناعة لدى واشنطن وموسكو في أن المسألة لا تستحق كل هذا الجدل، ولا ضرورة للعمل العسكري، والأهم هو مصالحهما ما يعني الاتفاق على مواقع نفوذهما وماهية الأدوار التي يلعبها كل منهما. إنها لغة المصالح التي تفوقت على المبادئ. وقد بدا ذلك جلياً في طبيعة الصفقة والتفاهمات والصيغ التوافقية للتخلص من الكيماوي السوري. ومع ذلك هذا الاتفاق الذي توصلتا إليه بالشروط المحددة من التلويح بالفصل السابع في حال عدم الالتزام وبالجداول الزمنية خطوة جادة في اتجاه تسوية كما يبدو لحلحلة القضية ومدخل للحل الديبلوماسي الذي سيتوج بمؤتمر (جنيف 2) في أكتوبر الذي سيجمع كافة أطراف النزاع.

طبعاً أوباما يقول بانه في حال فشل الحل الدبلوماسي فان التدخل العسكري سيكون البديل، غير أن السؤال الأهم هو: هل سيتجاوب النظام السوري مع ذلك الاتفاق ويلتزم بتنفيذه حرفيا؟ على الأرجح أن نظام الأسد سيضطر إلى الامتثال والانصياع. هذا لا يعني أن دمشق لا تعرف أبعاد اللعبة، بل تجيد فنونها، وهي تعلم بأن رفضها للاتفاق هو بمثابة انتحار سياسي، ولذلك لم يعد بيدها حيلة وأنها مضطرة للسير في هذا الاتجاه معولة على الدعم الروسي لاسيما وقد وصلت لقناعة بان المراوغة لم تعد تجدي.

الجيش السوري الحر من جانبه رفض الاتفاق الأميركي الروسي وأنه لا يعنيهم وتعهد بالعمل على إسقاط الأسد برغم شعور خيبة الأمل والخذلان من توجهات المجتمع الدولي. ولعل ما يجب قوله هنا برغم ان الانتفاضة السورية السلمية جاءت لتلجم الاستبداد، وتعبر عن توقها للكرامة والحرية، إلا ان المثير للاستغراب هو مكافأة نظام بشار من قبل روسيا وأميركا على فعلته الإجرامية بإعطائه طوق النجاة من الغرق، رغم انه في الرمق الأخير.

على أن المراقب لكيفية تعاطي النظام السوري مع الأحداث الراهنة، يلحظ أنه ونتيجة للضغوط الخارجية لا يفتأ أن يعلن عن استعداده للتجاوب، ثم لا يلبث أن يبدأ في المماطلة والتسويف. الحقيقة أنه لم يعد لغزاً في أن دمشق كانت قد قبلت المبادرة الروسية علنا إلا انها سترفضها ضمناً عن طريق وضع العراقيل والتبريرات وهو ما سوف نلحظه في القادم من الأيام، بدليل ان خطوات دمشق في تعاطيها مع ملف الأزمة في مجملها عادة ما تكون تكتيكية من أجل شراء الوقت.

لمحاولة فهم هذا السلوك، يعيدنا التاريخ لممارسات تلك الحكومات التي جاءت عبر الانقلابات العسكرية والتصفيات الدموية والمؤامرات المنظمة. كانت تلك الأساليب هي العنوان البارز في السياسة السورية في النصف الثاني من القرن الفائت، وكان الضحية المواطن السوري الذي عانى الويل والعذاب من جراء الأسلوب القمعي والبوليسي الذي مورس بحقه.

ومع ذلك تبقى مرحلة ما بعد بشار غير واضحة المعالم لاسيما وان المعارضة السورية لم تستطع أن توحد مواقفها ورؤيتها لمستقبل سورية ولا زالت المصالح الفئوية تلقي بظلالها على المشهد ما يثير القلق حقيقة. ناهيك عن أن تركيبة الشعب السوري الأثنية والطائفية فيهما من التعقيد ما يجعل وصول طائفة للسلطة على حساب الطوائف الأخرى أمراً ليس يسيراً على الأقل في الوقت الراهن.

إن سقوط النظام السوري أمر بات مطلوباً ووضع طبيعي لما آلت إليه الأمور في الداخل، وانتهاء مرحلة بشار صيرورة حتمية كونها ستدشن مرحلة فارقة ولافتة في المنطقة، وستفتح الباب على مصراعيه لاستقرار سياسي في المنطقة وسيسقط المشروع الإيراني.

ولذلك أعتقد أن ثمة دوراً مطلوباً من دول أصدقاء المعارضة السورية في دعم الجيش الحر ودعم المواقف السياسية للمعارضة والتي تراجع حضورها بعد هذا الاتفاق الأميركي الروسي. وأظن على دول الخليج تحديداً التلويح بإجراءات معينة فيما يتعلق بمصالح تلك الدول الداعمة لنظام الأسد إذا ما استمرت في دعمه لاسيما بعدما يتضح عدم التزامه بتطبيقه للاتفاق.

إننا لا نغالط الحقيقة إذا ما قلنا إن سقوط النظام بات له حاجة إقليمية ملحة، وأخطاء النظام السوري كفيلة بالإجابة على ذلك، وهو سيستمر في آلة القتل وقد يستخدم السلاح الكيماوي مرة أخرى لاسيما وقد فلت من عقوبة جريمة الغوطة واستطاع بدعم من روسيا تغيير مسار الأزمة من قتلى بعشرات الألوف إلى مسالة التعاطي مع الأسلحة الكيمائية.

إذا ما فشل تطبيق هذا الاتفاق فإنه لا أحد موقن إلى أين سوف تتجه الأمور. هل سنرى ضربة عسكرية أم ربما تتغير موازين القوى على الأرض ويتنحى الأسد على غرار النموذج اليمني، أو ربما تستعر الحرب الأهلية وهو الأرجح على أي حال ما يؤدي إلى تقسيم سورية لدويلات علوية وسنية وكردية؟!