امين قمورية

لو افترضنا ان الاتفاق الروسي - الاميركي في شأن السلاح الكيميائي وُضع على سكة التطبيق الفعلي، وهو على ما يبدو سيطبق، فان ذلك يعني أن اوباما حقق ما يريد بنزعه السلاح quot;الاستراتيجيquot; لسوريا بلا ضربة كف، فاستراح من عقدة quot;الخط الاحمرquot; واراح اسرائيل من الشر السوري المبطن. كذلك حقق بوتين مايريد باعادة روسيا لاعباً قوياً في الشرق الاوسط وصاحبة اليد العليا في تقرير ما يجري في سوريا. أما الاسد فكسب بدوره فرصة جديدة للبقاء على رأس السلطة طوال مرحلة الاشهر التسعة المطلوبة لتفكيك برنامجه الكيميائي.

من المفارقات ان تلتقي المدة الزمنية المحددة للتخلص من الكيميائي مع موعد انتهاء الفترة الرئاسية للاسد في أيار 2014، فهل يعني ذلك ان هذا التلاقي يمكن ان يكون نقطة مساومة على اعادة ترشيحه للرئاسة واعطائه مشروعية للذهاب الى جنيف بصفة محاور؟
وبما ان الرئيس بحكم صلاحياته الواسعة هو الوحيد المؤهل لتدمير الكيميائي، وبما ان عملية كهذه معقدة وصعبة وقد تطول لاصطدامها بعقبات quot;تقنيةquot; او quot;لوجستيةquot; بحكم الظروف الميدانية واشتداد القتال على الارض، فان هذا قد يدفع النظام الذي يتولى محاورة المجموعة الدولية الى القول ان quot;ضرورةquot; التخلص من السلاح الفتاك تتطلب quot;ضرورةquot; التجديد للرئيس لضمان تنفيذ المهمة المطلوبة منه دولياً...
واذا تخلصت دمشق من الكيميائي في ظل عدم وجود بديل سياسي مقنع ومقبول دولياً من النظام الحالي، فمن الذي سيتكفل تخليص سوريا والجوار من شر quot;اسلحة الدمار الشامل الاشد خطورةquot;، اي مجموعات التكفير والجهاد التي تزداد بؤساً وشراسة مع تصاعد القتال واتساع نار الازمة والشحن المذهبي؟ فهل يعطى الاسد فرصة اخرى للقيام بمهمة كهذه بعد نجاحه في تنفيذ المهمة الاولى؟ وهل يكون الربط بين مهلة التخلص من الكيميائي ونهاية الولاية الرئاسية رسالة مبطّنة اميركية - روسية بالتمديد له لإزالة المخاطر السورية المستفحلة التي تقلق شريكي اتفاق جنيف وهواجسهما الخاصة، ام ان واشنطن اكتفت بالقبول ببقائه حتى التخلص من الكيميائي، على ان تبدأ المرحلة الانتقالية من دونه بعد التحضير لوجود بديل مقبول؟
لعل اسوأ ما في الادارة الدولية للازمات المحلية، ان الدول الكبرى تراعي فقط مصالحها عند البحث عن حلول وليس عن مصالح الذين يتلقون الضربات ويدفعون الثمن، فتصير نهاية كل ازمة بداية لازمة اكبر لهؤلاء الضعفاء. وهكذا اختصرت الازمة السورية بالكيميائي الذي ليس الا وجهاً من وجوهها وغيبت الوجوه الاخرى، فكان ولا يزال الغائب الكبير في صراع المصالح الدولية، الشعب السوري الذي لم يفكر احد بعد في الوسيلة التي تضمن بقاءه على قيد الحياة في أرضه وداره.