ابراهيم درويش

في القرداحة البلدة التي تعود اليها عائلة الاسد، ودفن فيها والده حافظ، لا يعيش سكانها وغالبيتهم من الطائفة العلوية خوفا ولا يعيرون اهتماما الاخبار التي تحدثت عن قرب الضربة الامريكية على سورية، ولا يهتمون بالجيش الحر قدر اهتمامهم بفرض النظام وضبط الوضع في البلدة ومنع الفوضى حالة نفذ فيها الامريكيون تهديداتهم وضربوا سورية، ولهذا شكلوا lsquo;اللجانrsquo; للحفاظ على النظام. وينقل تقرير لصحيفة lsquo;الغارديانrsquo; من البلدة نفسها عن ايهم عطاف الذي قال ان خمسة من اخوته يعملون في الجيش، انه يتعامل مع لقب lsquo;شبيحةrsquo; على انه lsquo;شرف وليس تهمة، فكل واحد يتطوع للدفاع عن النظام السوري يطلق عليه الارهابيون اسم شبيحة، صحيح ان هناك بعض الاشخاص السيئين بينهم لكن معظمهم من القادرين والطيبينrsquo;.
ويستبعد سكان القرداحة اصابة بلدتهم بالصواريخ الامريكية نظرا لعدم وجود مواقع عسكرية استراتيجية فيها. ولكن البلدة بالنسبة للمعارضة المسلحة تمثل هدفا ثمينا يمكن ان يحدد مسار الحرب، فالمقاتلون يتمركزون ليس بعيدا عن القرداحة في جبل الاكراد حيث يقومون منه بشن الهجوم وراء الهجوم عليها وعلى القرى العلوية القريبة منها. وبحسب ابو مصعب، وهو ضابط كان يعمل في دائرة الاستخبارات الجوية قبل ان ينشق وينضم الى كتيبة انصار الشام فالقرداحة lsquo;لا تتمركز فيها قوات مدفعية ولا جويةrsquo; وهي lsquo;بلدة عاديةrsquo; لكن سقوطها بيد المقاتلين lsquo;سيهز ميزان القوى بالكامل وسيمثل صفعة للنظام، لانه (اي الاسد) ان لم يكن قادرا على حماية بلدته مركز العلويين والشبيحة فكيف سيكون قادرا على حماية الاراضي السورية؟rsquo;. ويضيف ان الخطة lsquo;بrsquo; للعلويين في حالة سقوط العاصمة دمشق هي اقامة دولة علوية في مناطق اللاذقيه وعاصمتها القرداحة lsquo;فخسارتها يعتبر كارثة، فالمعركة على سورية ستحسم هناrsquo; كما يقول.

دفاعات وحصون

ومع ذلك فتحقيق النصر هنا ليس بالامر السهل نظرا لوجود دفاعات كثيفة من الجيش السوري مضافا اليها الحمايات الطبيعية التي يمنحها موقع البلدة الجبلي. وتنقل عن احد سكان البلدة واسمه محمد البادي قوله ان lsquo; موضوع الحديث الرئيسي في البلدة هو تردد اوباما والتشوش حول موعد العدوان الامريكي على سورية، وهو موضوع مثير للضحك، حيث ينفجر الناس ضاحكين كلما ذكر اسم اوباماrsquo;، ويعتقد البادي ان الامريكيين لن يكون بمقدورهم توجيه ضربة للاسد طالما يتمتع بدعم روسيا، وفي حالة تنفيذ امريكا وعدها فسكان البلدة مستعدون للقتال حتى اخر قطرة دم. ومثل غيره من الشباب الذين انهوا الدراسة الثانوية فقد انضم الى اللجان الشعبية حيث يقول انه مدني ولكنه تلقى تدريبات على استخدام الاسلحة الخفيفة من المدربين في اللجان الشعبية lsquo;من اجل ان اكون قادرا على استخدامها في المواجهات، معنوياتنا اكثر من عالية ونحن مستعدون للدفاع عن بلدنا ضد الارهابيين وعملاء امريكاrsquo;.
وعلى الرغم من الثقة التي ابداها سكان البلدة الا ان بعض العائلات تقوم بتخزين المواد الغذائية في حالة تعرض البلدة للحصار، ويقول هيثم جميل lsquo;نقوم بشراء الكثير من الخبز والماء في حالة استمرار الحصار لزمن طويلrsquo; مضيفا انهم لن يغادروا البلدة.

لم يفروا

وانتشرت شائعات عن فرار علويين الى لبنان لتجنب الضربة الامريكية حيث يقول سكان القرداحة انها مجرد lsquo;كلام فارغrsquo;. فمن الافضل للاسد ومساعديه التوجه للجبال في القرداحة بدلا من التوجه للبنان الذي سيكون عرضة للضربات الامريكية. ويقول جميل ان العائلات العلوية التي كانت تعيش خارج القرداحة بدأت تعود اليها lsquo;لحماية ارضهم ومقاومة العدوانrsquo;. ويقول التقرير ان 400 من ابناء البلدة قتلوا في المعارك مع المعارضة المسلحة حيث اقترح بعض سكان البلدة تغيير اسمها الى lsquo;بلدة الشهداءrsquo;. ويتحدث السكان عن مظاهر اخرى من التهديد التي يتعرضون لها مثل الاختطاف حيث يقول جميل ان قريبه وهو ضابط في الجيش اختطف مع زوجته واولاده في دمشق، وتعرضوا للتعذيب ولم يطلق سراحهم الا بعد دفع 30 مليون ليرة سورية (145 الف جنيه استرليني) للخاطفين. وبعيدا عن تهديدات الحرب والمقاتلين المسلحين فثقة سكان القرداحة بالاسد عالية ويقولون انه يجب ان لا يلومهم احد على حبهم لبشار الاسد، فهو وان كان ابن الطائفة الا انه يواجه التهديدات الغربية وفي الحرب والسلم يؤكد على ان lsquo;القرار هو قرار سوريrsquo; كما يقول عطاف.

جبل قاسيون

وسواء كان قرار الاسد التخلي عن اسلحته الكيماوية قرار سورية ام روسيا فالجدل حول نزع الترسانة تواصل فيما اكدت فيه روسيا على ان قوات المعارضة هي التي نفذت الهجوم الشهر الماضي على الغوطة والذي قتل اكثر من 1400 مدني. وتحدث سيرغي لافروف للصحافيين يوم الثلاثاء بعد اجتماعه مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس عن ان لديه lsquo;معلومات قويةrsquo; تؤكد ان الهجوم الذي اكد تقرير مفتشي الامم المتحدة وقوعه كان lsquo; استفزازا من المعارضة لدفع التدخل الخارجي في الحرب الاهلية. وفي نفس الوقت رفض لافروف المطالب الدولية بشمول قرار مجلس الامن حول نزع الاسلحة الكيماوية بندا يشرع استخدام القوة بشكل اتوماتيكي حالة فشل النظام السوري بالاستجابة لمطالب المفتشين الدوليين. ويناقض الموقف الروسي التقييم الذي نشرته منظمة lsquo;هيومان رايتس ووتشrsquo; يوم الثلاثاء والذي حللت فيه نتائج تقرير المفتشين الدوليين وقالت ان غاز السارين الذي تسبب في الكارثة تم اطلاقه من مركز الحرس الجمهوري، الفرقة 104. فالمعلومات الواردة في ملحق من ملاحق التقرير الذي جاء في 40 صفحة تقترح وrsquo;بدرجة عاليةrsquo; ان مصدرها جاء من مقر الحرس الجمهوري السوري المتمركزة قرب القصر الجمهوري على جبل قاسيون في دمشق. فقد تمت فحص زاوية ومسار الصواريخ والقذائف الصاروخية التي اطلقت على الغوطة لتحديد مكان انطلاقها. وتقول صحيفة lsquo; التايمزprime; البريطانية ان التحليل هذا يدعم وجهة نظر كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي تتهم النظام بالوقوف وراء الهجوم. واكدت منظمة حقوق الانسان ان تقييمها lsquo;ليس قاطعاrsquo; ولكن يربط النقاط معا lsquo;ويسمح لنا بتحديد من اي خرجت المقذوفات الصاروخية التي حملت الغاز وبالتالي الجهة المسؤولة عن اطلاقهاrsquo;. مع ان تقرير الامم المتحدة لم يتحدث عن الجهة المسؤولة بقدر ما كان يهمه اثبات وقوع الحادث الكيماوي.
نظرية عميل المعارضة

وترى صحيفة lsquo;نيويورك تايمزprime; نفس الامر حيث قالت ان تقرير المفتشين يؤشر الى قوات نخبة موالية للرئيس الاسد تقف وراء الهجوم الكيماوي فيما اعتبرته الصحيفة من اقوى الادلة التي تقترح ضلوع حكومة الاسد بالهجوم الكيماوي. واشارت الى حركة المقذوفات الصاروخية التي قالت انها نبعت من مقر الحرس الجمهوري على جبل قاسيون حيث تتمركز الفرقة الرابعة والتي يصفها الياس حنا، الجنرال اللبناني المتقاعد بانها مركز الجذب بالنسبة للنظام وجوهر قوته. وتضيف الصحيفة ان المؤشر في التقرير لا يؤكد مواقف الدول فقط التي تتهم النظام بالهجوم بل يقدم اشارات قوية عن قيام الجيش باطلاق النار من جهته او من حدود تمركزه على قاسيون على الاحياء او الاطراف التي يطلق عليها اسلحته التقليدية. وتقول الصحيفة ان جبل قاسيون المطل على العاصمة المتوترة والتي تمور بالغضب والخوف لا يعتبر موقعا عسكريا مهما فحسب بل ومجمعا عسكريا مرتبطا بحكم عائلة الاسد، فهو عبارة عن منشآت ومواقع مرتبطة مع بعضها البعض وتحتلها قوات النخبة القريبة من الاسد وعائلته.
ويقول اميل هوكايم، المحلل في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ان الوحدات المتمركزة على الجبل، مستبعدا النظريات التي تتحدث عن عميل للمعارضة اخترق النظام وكان وراء الهجوم، لان ادارة هذه الوحدات تتميز بالانضباط والدقة.
وتضيف الصحيفة ان قوات المعارضة لم تخترق ابدا ايا من الوحدات العسكرية للجيش على جبل قاسيون، وبالتالي لم يكن بامكانهم شن هجمات صاروخية عنيفة من المكان بدون ان يعرف الجيش السوري بوجودهم. وكان فريق المفتشين الدوليين قد جمع العينات من مكان الحادث مستخدما معايير تحقيق عالية. وفي واحد من الامكنة التي تم التحقيق فيها لاحظ المفتشون الاثر الذي تركه الصاروخ والمكان الذي مر منه حيث مر عبر جدار عشبي قبل ان يرتطم بالارض محدثا حفرة. ولاحظ المفتشون ان المسار الذي يمتد من ارتطام رأس الصاروخ واختراقه الجدار العشبي كان على ميل 35. وفي مكان اخر حدد المفتشون موقع سقوط صاروخ ـ 330 ملم على ما وصفوه lsquo;بالارض اللينة، الترابية، حيث ظل رأس القذيفة مغروسا في الارض، على ميل 285 وظل على موضعه حتى قيام المحققين بالبحث والتحقيق. ولم يذهب التقرير ابعد من هذا للشرح الا من اجل التوضيح. وتقول الصحيفة انه بدراسة المسارات هذه وارجاعها الى مكان صدورها فانها تشير الى منبع الهجوم وهو جبل قاسيون المعقل الذي لا يمكن اختراقه ويمثل سلطة الاسد. واشارت الصحيفة الى الصورة البيانية التي رسمها جوش ليونز من هيومان رايتس ووتش والتي تتطابق مع رسمها البياني اي lsquo;نيويورك تايمزprime;، على الرغم من تأكيد جوش ان الرسم lsquo;يقترحrsquo; لكنه يقترح المصدر الذي جاءت منه الصواريخ هو الحرس الجمهوري.

واشنطن تأكدت

ويشير مسار واحد من المقذوفات الصاروخية، وهذا يعتمد على دقة القياسات انها انطلقت من منطقة المزة التي تقع على قدم قاسيون. ونقلت عن مسؤول امني امريكي لم يفصح عن اسمه ان الولايات المتحدة استطاعت وعبر الساتلايت التأكد من صحة معلومات الامم المتحدة ومنظمة lsquo;هيومن رايتس ووتشrsquo; فيما يتعلق بهجوم واحد. ويقول المحللون الامريكيون ان المعلومات المتعلقة بالهجوم الاخر غير واضحة، لكن الولايات المتحدة لديها اشارات قوية عن ضلوع قاعدة عسكرية سورية اخرى في هجمات 21 آب (اغسطس).
ومن هنا فاطلاق الصواريخ من جبل قاسيون يظهر حالة من اللامبالاة من جانب النظام الذي لم يكن على ما يبدو مهتما بتداعيات الهجوم العاجلة والآجلة. وقد تحول جبل قاسيون الى ثكنة عسكرية مدججة بالاسلحة والمعدات الثقيلة والجنود المستعدون للدفاع عن القصر الجمهوري وساكنه. ومنذ العام الماضي اصبح جبل قاسيون مصدر الموسيقى الخلفية التي يسمعها اهالي دمشق في الليل حيث يشن منها الجيش هجمات صاروخية وتنطلق القذائف من فوهات المدافع باتجاه معاقل المقاتلين حول العاصمة. ويظل الجبل من اكثر المناطق المحصنة عسكريا وفي حالة قيام المقاتلين باختراق الدفاعات فستعلم بداية النهاية للنظام.

الاسد المستفيد

كل هذا النقاش لا ينفي كون الاسد حسب سايمون تسيدال في صحيفة lsquo;الغارديانrsquo; المستفيد الوحيد وانه سينجو من الازمة الحالية، حيث يفتقد الغرب والولايات المتحدة السلطة السياسية والقدرة على ادارة الاحداث ومع طول امد الحرب فانها ليست الى جانب النظام. ويقول الكاتب ان هجوم الغوطة كان نقطة تحول في مسار الحرب لكنها ليست الى جانب المعارضة ولكن النظام. فقد فهم النظام من الاتفاق حول الاسلحة الكيماوية على انه رخصة لمواصلة الحرب طالما تجنب استخدام الغازات السامة. ويضيف ان نظام الاسد يعرف علم اليقين وهو ما لم يكن متوفرا لديه قبل الهجوم على الغوطة اي انه يمكن ان يفعل ما يريد، بدون ان يخشى اي عقاب امريكي. ويعرف الاسد ايضا ان النفوذ والدعم الذي قدمه له الروس قد تعزز من خلال الاتفاق. فتخبط اوباما فضح lsquo;خطه الاحمرrsquo; الوهمي وكشف عن ضعف الرئيس الامريكي واعطى موسكو المدخل الذي دخلت منه لتقيد يديه. فروسيا تقوم الان بتحديد عجلة التحرك الدبلوماسي وتملي الخطوات القادمة، من مثل عقد جنيف ـ 2 وما يجب مناقشته في الوقت.