هدى الحسيني

يوم الأحد الماضي ومن على شاشة laquo;إيه بي سيraquo;، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه تبادل الرسائل مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني.

لم يكن يكشف سرا؛ إذ أن صحيفة laquo;لوس أنجليس تايمزraquo; نشرت مقالا يوم الأربعاء 11 سبتمبر (أيلول) الحالي ذكرت فيه أن واشنطن وطهران تتبادلان الاتصالات حول سوريا، وأنهما من وراء الستار تتجهان نحو محادثات مباشرة، كلتا الحكومتين تواقة إليها لإيجاد حل لبرنامج إيران النووي.

قبل إعلانه عن تبادل الرسائل مع روحاني، أعاد أوباما أحد أسباب النجاح في إقناع النظام السوري بالاعتراف والتخلي عن الأسلحة الكيماوية إلى إيران. وتباهت الصحافة الإيرانية (laquo;طهران تايمزraquo;) بإعادة نشر ما قاله أوباما لمحطة laquo;سي إن إنraquo; من أن إيران لعبت دورا بناء في دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التوقف عن استعمال الأسلحة الكيماوية.

عندما زار السلطان قابوس طهران في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، ذكرت مصادر بريطانية وثيقة الاطلاع، أن السلطان هو همزة الوصل بين واشنطن والنظام الإيراني، وأنه لا بد يحمل معه رسالة أميركية إلى القيادة الإيرانية، ولاحقا تأكد ذلك.

منذ انتخاب روحاني والغرب يعوِّل كثيرا عليه، في وقت يعرف فيه روحاني أن الاقتصاد هو الأولوية الأكثر إلحاحا لحكومته، وكان أشار إلى الحاجة لإجراء إصلاحات اقتصادية في محاولة منه لتجنب كارثة.. وانطلاقا من عملية laquo;إنقاذهraquo; الاقتصاد الإيراني سيحكم داخليا على العام الأول من رئاسته. من هنا يأتي انفتاحه على الولايات المتحدة بالذات، وجسه نبض الإدارة الأميركية. هناك من المراقبين السياسيين من يقول إن واشنطن سلمت سوريا إلى موسكو، وتعتمد على الأخيرة في الملف الإيراني، وتاريخ العلاقة الروسية - الإيرانية ليس تاريخ ثقة وتفاهم؛ إنما حذر وحروب، ثم إن الروس يعرفون أنهم الملعب الخلفي لأي سلاح نووي إيراني، وليس فقط دول الخليج العربية أو الشرق الأوسط.

بالنسبة لروحاني ونظرته إلى الملف النووي الإيراني، فمن المعروف أن موقفه في الماضي كان بوجوب أن تُنهي إيران مشروعها النووي بالكامل من أجل رفع الضغوط الخارجية عن النظام. وكون الضغوط الخارجية الحالية المتمثلة في عقوبات صارمة، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في الماضي، فإن ذلك يمكن لروحاني أن يدفع لإحراز تقدم في البرنامج النووي بأسرع ما يمكن. ومن شأن هذا أن يدعم حجة الحكومة الإيرانية بأن العقوبات غير فعالة؛ إذ لماذا المطالبة بها والإصرار على فرضها ما دام البرنامج النووي قائما بالفعل والعمل عليه جاريا.

لوحظ عندما أشار روحاني إلى نيات إيران النووية في الآونة الأخيرة، أنه اختار كلماته بعناية.. قال مثلا إنه يدعم نهجا مختلفا يميل إلى المصالحة مع المجتمع الدولي، على الرغم من تأكيده أنه laquo;يعارض تعليق تخصيب اليورانيومraquo;، وهذا مطلب رئيس لمجلس الأمن الدولي.

مع دعم المزيد من التخصيب بهدف laquo;استكمال البرنامج المدنيraquo;، ستبقى فقط أمام القيادة الإيرانية laquo;خيارات سياسيةraquo; بعد أن تكون تجاوزت العقبات التكنولوجية المتبقية. وستكون القرارات حول عما أو متى تأخذ القفزة النهائية اللازمة لتصنيع السلاح النووي.

في هذا المعنى، لا يوجد فرق حتى الآن بين موقف روحاني وموقف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي؛ لا بل إن روحاني بذل جهدا لافتا لمزامنة تصريحاته العلنية مع تلك التي لخامنئي قبل أن يطلقها، لأنه يريد أن يتجنب نوعا من أزمة طويلة في العلاقات تشبه التي نشأت بين سلفه والمرشد.

المعروف أن المعتدلين دعموا روحاني بعد استبعاد مرشحيهم، على الرغم من أنه شخصيا جزء أساسي من النظام الثوري الإيراني، ثم إنه مفاوض بارع يتمتع بخبرة في التعامل مع القوى الغربية، وعلى هذا النحو سينجح في تقديم مواقف إيران بطريقة أقل عدائية من الحكومة السابقة، وقد يتسبب في جو جديد يحيط بالمحادثات المتوقع استئنافها بين إيران والمجتمع الدولي. السؤال: هل سيشتري المجتمع الدولي بضاعة إيرانية لم يتغير فيها سوى طريقة التعبئة والتغليف؛ خصوصا أن التهديد الإيراني للشرق الأوسط والأمن الدولي يبقى قائما؟

الاقتصاد الذي ورثه روحاني في حالة تداع مزمنة، وحسب تقرير أعده في مايو (أيار) الماضي إيراج ناظمي، من اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، فإن الديون المستحقة على المصارف الإيرانية لصالح البنك المركزي الإيراني تعادل أكثر من 89 مليار دولار، بينما الحكومة الإيرانية مدينة للمصارف الإيرانية بما يفوق 50 مليار دولار. ووصف مركز الدراسات الاستراتيجية في إيران حالة الاقتصاد الإيراني بـlaquo;الركود العميقraquo;، وأشار إلى أن 34 مليون إيراني صاروا في laquo;الخانة الحمراءraquo; (مكشوفون مصرفيا)، وأن الدين العام للمواطنين الإيرانيين يبلغ 29 مليار دولار ومعظمهم لا يستطيع سداد ديونه، أما الشركات الإيرانية، فإنها مدينة للمصارف الإيرانية بنحو 368 مليار دولار، يضاف إلى هذا كله، محدودية الوصول إلى احتياطي العملة الأجنبية، وبالتالي فإن الأموال المتوفرة غير كافية لدفع تكاليف الواردات.

التضخم أخذ في الارتفاع، وانخفضت القدرة الشرائية للمواطن الإيراني بنسبة 72% خلال الأشهر الثمانية حتى مارس (آذار) 2013. وحسب البيانات الرسمية، بلغ معدل التضخم نسبة 60.4% خلال الربع الأول من هذا العام، وتشير التقديرات إلى وجود 12 مليون عاطل عن العمل، ومع انهيار الصناعات الرئيسة مثل صناعة السيارات والمنتجات الغذائية صار من الصعب أن نرى كيف تستطيع إيران الخروج من هذه الأزمة التي طال أمدها.

قد يضطر علي طيب نيا، وزير المال، لفرض ضرائب مباشرة على مدخرات المواطنين والودائع المصرفية، مع العلم بأن السحوبات النقدية من الحسابات الشخصية التي يلجأ إليها النظام ليست غير مسبوقة. مثلا في 13 يونيو (حزيران) الماضي سحب البنك المركزي 300 مليار تومان (العملة المحلية) من الحسابات من دون إشعار، وأعاد معظم هذا المبلغ ليعود ويسحب أكثر من النصف مرة أخرى. وبررت الحكومة بأن هذه الخطوة نجمت عن تقلبات أسعار الصرف، لكن اشتبه في أنها استخدمت هذه الأموال لتمويل العجز في الميزانية لتسديد دفعات الإعانة النقدية عشية عيد النوروز (رأس السنة الفارسية).

وتنوي إيران تنفيذ المرحلة الثانية من خفض الدعم خلال النصف الثاني من العام الإيراني الحالي، وقال أرسلان فتحي بور، رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، إن تطبيق هذه المرحلة ضروري في ظل الظروف الراهنة.

هذه التدابير بالإضافة إلى مزيد من القيود على مبيعات العملات الأجنبية، وانخفاض سعر الصرف في السوق السوداء (انخفض معدل الصرف 10700 ريال للدولار في أوائل عام 2011 إلى ما يقرب من 33 ألف ريال للدولار الآن) مع احتمال أن ترتفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15%.. هذه التدابير تهدف إلى توفير الاستقرار للاقتصاد الإيراني، لكنها ستصيب جيوب أفراد المجتمع الإيراني. في ظل هذه التحديات الاقتصادية والإقليمية والدولية ليس من السهل على روحاني إنقاذ الاقتصاد الإيراني، من هنا تأتي تصريحاته التي ترتكز على الملف الإيراني إن كان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو من خلال حاجة الغرب إليه الآن خصوصا مع تفشي ظاهرة الجهاديين الدمويين في سوريا. بعد تراجعه بالنسبة لسوريا، يكون من الأفضل للرئيس الأميركي باراك أوباما ألا يضعف وبسرعة أمام التلويح بالإغراءات الإيرانية (السلاح النووي أخطر من السلاح الكيماوي) ويقدم على لقاء روحاني في نيويورك. روحاني في ظل الضغوط الاقتصادية يجب أن يلعب دورا يحدد سياسة بلاده النووية، وكيف سيوجه نفوذه الداخلي في هذا المجال. التهديدات الإيرانية مستمرة، وعلى الغرب أن يطلب تحولات جوهرية من طهران وليس فقط مجرد تغيير في الأسلوب، وذلك عند استئناف المفاوضات. ومثلما دخلت إيران على الملف الكيماوي السوري، يجب أن تشمل مناقشة الملف النووي الإيراني تدخلات إيران في دول المنطقة.