حبيب الصايغ

ليس سقوطاً أخلاقياً فقط، هذا الذي تمارسه قناة الجزيرة، وإنما هو، إلى ذلك، سقوط مهني يشبه الفضيحة . لقد ذهب عصر الإعلام الموجه إلى غير رجعة، لكن ldquo;الجزيرةrdquo; تعود القهقرى سنوات وعقوداً، فتقدم على صعد الخبر والرأي والتحليل والحوار إعلاماً من لون واحد ونكهة واحدة، وحتى في أعتى وأشرس مراحل الإعلام الموجه، كانت هنالك محاولات إقناع عبر وضع غلالة من الشفافية تحاول ستر القبح أو تكاد، فيما ldquo;الجزيرةrdquo; تنسى ذلك كله أو تتناساه، وتشيح بوجهها عنه إلى جدار التجاهل والإصرار على الإقصاء والإلغاء . ها هي اليوم تضع الشأن المصري في بؤرة اهتمامها كأولوية مطلقة، لكن من وجهة نظرها هي فقط، التي هي، ببساطة، وجهة نظر الإخوان المسلمين . ها هي تنحاز إلى فئة ظلامية ضالة، وتواجه شعب مصر وإرادة شعب مصر، وفي الوقت نفسه، لا تحترم عقل وشعور المواطن العربي من الخليج إلى المحيط، فلماذا، ولم التقوقع إلى هذا الحد الصارخ والمخيف داخل كهف الإعلام الأعمى، بمعنى انعدام البصر والبصيرة؟

مازالت قناة الجزيرة في قطر تسمي ثورة شعب مصر البطل التي حماها جيش مصر الباسل انقلاباً عسكرياً، وذلك مناقض تماماً للحقيقة . لكن على المستوى الإعلامي والمهني يعد تصرفاً شاذاً وغير مفهوم . الإعلام الحقيقي لا يوثق الوهم ولا يؤرخ للخيال، والإعلام الحقيقي لا يغمض عينه عن الواقع ثم يصنع واقعاً من عنده يروج له . قناة الجزيرة اليوم تعيش ورطة لا تحسد عليها، ولا يُعرف كيف يمكنها الخروج من هذا المأزق الأخلاقي والمهني الذي أوقعت نفسها فيه . إن خارطة الطريق في مصر ماضية في طريقها، ولجنة الخمسين لتعديل الدستور تقوم بعملها بجد ومثابرة، والزمن المصري الجديد يتقدم إلى الأمام لا الوراء، والناس في مصر، وقد وعوا التجربة، تواقون إلى مصر الأجمل، أو مصر التي في البال . هذا البلد العريق والمهم يستحق الدولة اللائقة، القادرة على حمايته وحماية مقدراته ومكتسبات شعبه، ومصر اليوم تذهب إلى غدها بخطى حثيثة واثقة، فأين الجزيرة من كل ذلك؟ . . مضت مصر الكبيرة إلى مستقبلها الكبير، وتركت قناة الجزيرة ومثيلاتها من أبواق الفتنة رهن اليأس المتجسد نصباً تذكارياً للفشل في ميداني رابعة والنهضة .

توضع ldquo;الجزيرةrdquo; للأسف اليوم ضمن أبواق الفتنة لأنها أرادت لنفسها هذا المصير، ليست الفتنة فقط، وإنما أبعد من ذلك، التحريض على القتل، وبث الكراهية . هي بذلك، ويوماً بعد يوم، تفقد صدقيتها وتهدر ما تبقى من دم الحياة وماء الجبين .

الشواهد على ذلك لا تحصى، لكن الشاهد القريب برنامج حواري في ldquo;الجزيرةrdquo; ذهب عبر أسئلته ابتداء إلى أقصى درجات الإعلام الملون، والملون بغباء، وكانت حكمة المفكر والأكاديمي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله مطوقة بالموضوعية والعلمية، بوصلة التوازن في البرنامج، فبدا الرجل غريباً وكأنه عاقل بين مجانين .

لا يقال هذا الكلام على الجزيرة جزافاً وإنما من باب الحرص على وسيلة إعلامية حققت النجاح والسمعة الحسنة، ثم تحولت إلى النقيض وكأنها تتعمد الإساءة إلى نفسها، وتقصد هدم الذي بنته قصداً .