غازي العريضي

العمليات الإسرائيلية المنفّذة مباشرة ضد سوريا في المراحل الأخيرة جاءت على الشكل التالي: عملية كوماندوس في دير الزور أدت إلى ضرب أسس المفاعل النووي الذي كان يبنى بمساعدة كورية شمالية. وقصف بالطائرات على منطقة جرمايا حيث مراكز أبحاث وتصنيع وتخزين الأسلحة الكيمائية. و قصف على مواقع مماثلة في جبل قاسيون. وقصف صواريخ quot;يوخانتquot; الروسية المسلـّمة إلى سوريا في اللاذقية.

رافق هذه العمليات تهديدات مركّزة للنظام السوري تشير إلى خطر امتلاكه هذه الأسلحة وتنبّه إلى خطيئة تسليمها إلى حزب الله وتؤكد السعي الإسرائيلي لمنع ذلك بكل الوسائل.

الردّ السوري التقليدي كان دائماً: سوريا تحتفظ لنفسها بحق الردّ في المكان والزمان المناسبين وبالشكل الذي يحمي سيادتها ويردع العدو. ثم تطور الموقف إلى حد القول: لا نريد رداً سريعاً تكتيكياً مرحلياً، بل نريد أن يكون الردّ استراتيجياً. وكان تلويح باعتماد المقاومة في الجولان والتكامل مع حزب الله في المعركة.

ماذا حصل وماذا سيحصل بعد معركة الأسلحة الكيميائية وموافقة دمشق على تسليمها إثر الاتفاق الروسي ndash; الأميركي؟

1- بعد أن هددّت سوريا بالردّ الاستراتيجي سلمّت سلاحها الاستراتيجي دون أن تتوقف التهديدات الأميركية بالضرب إذا اقتضت الحاجة وحققت إسرائيل واحداً من أهم أهدافها في هذه المرحلة.

2- تأكدت إسرائيل من الالتزام الروسي ndash; الأميركي بأمنها الاستراتيجي.

3- امتنعت موسكو فعلياً عن تسليم سوريا صواريخ S300 وذلك بعد تدخل إسرائيلي مباشر وزيارة قام بها نتنياهو إلى موسكو، مقابل وعد وكلام علني من جانب الأخير بعد الدخول على خط المعارك في سوريا وهذا ما حصل. ولماذا تتدخل إسرائيل مباشرة ما دام ثمة من يحقق مصالحها عن قصد أو غير قصد؟

4- وفي هذا السياق، أخذت إسرائيل quot;السلاح الكيماويquot; كهدف. ومن المفترض وفق آلية اتفاق جنيف أن تنتهي العملية خلال الأشهر المقبلة. لكن ذلك لن ينهي الحرب. فالسلاح الذي كان يخيف إسرائيل ذاهب إلى الدمار. أما السلاح الآخر في يد النظام فسيستخدم في دمار سوريا، لأن الحرب هناك ستستمر وستكون أكثر حدة وشراسة، وبالتالي فإن المعادلة التي تكرست إسرائيلياً هي : السلاح الذي يؤذينا يسلّم، أما السلاح الذي يؤذيكم ويقتلكم ويدمّركم ويعمق الجراح فليبقَ بين أيديكم!

5- المعارضة السورية لا سيما منها المسماة معتدلة، أصيبت quot;بخذلانquot; كما قال رموزها، والشعور بأن أميركا تخلت عنها. بعض مكوناتها ذهب إلى صفوف المتشددين. سيكون دور هؤلاء أقوى، ستأتي إسرائيل لتكمل ما بدأته منذ فترة طويلة. التخويف من quot;التكفيريينquot; وquot;الإرهابيينquot; والمطالبة بمزيد من الحماية الأمنية الاستراتيجية الآنية والمستقبلية لها، وابتزاز العالم بأنها تعيش في محيط quot;إرهابيquot;، ومن حقها أن تفعل ما تشاء، وأن تتخذ الإجراءات الكفيلة بضمان أمنها واستقرارها على الصعد كافة وفي كل المجالات. وستخاطب العرب والمسلمين بالقول: أيهما أخطر على المنطقة؟ الصراع العربي ndash; الإسرائيلي أم الفتنة السنية ndash; الشيعية؟ نحن لم نستخدم الأسلحة الكيميائية ضدكم كما حصل في سوريا؟ لم نقتل منكم ولم نمارس معكم ما حصدته حروبكم ضد بعضكم وعمليات القتل الجماعي والإعدامات الجماعية التي تمارسونها ضد بعضكم البعض في سوريا وغيرها! لم ندمّر مخيماتكم كما تدمّر في سوريا وغيرها. ستقدم إسرائيل نفسها دولة ديموقراطية إنسانية قائمة على قيم الأخلاق والتسامح! وهذه كارثة...

6- لم تتوقف إسرائيل عن المطالبة بمنع إيران من امتلاكها السلاح النووي. بعد الكيماوي السوري ستكون اندفاعة في وجه النووي الإيراني، وبدأت quot;الليونةquot; الإيرانية تظهر. والاستعدادات لتفويض روسيا بمعالجة أزمة هذا quot;النوويquot;. وصدرت تصريحات هادئة من إيران حول المحرقة ضد اليهود ورفضها، والتمييز بين الصهاينة واليهود، في وقت كانت الدعوات لإزالة إسرائيل مستمرة دون الانتباه إلى أنه داخل أراضي هذا الكيان الغاصب، ثمة عرب، ويهود غير صهاينة! مع الإشارة إلى أن الأميركيين أخذوا تعهداً من نتنياهو بعدم ضرب إيران.

7- طغى الحدث الكيماوي في سوريا على أروقة وكواليس ومسارح العالم السياسية على غيره من الأحداث. وإسرائيل تستفيد مما يجري في سيناء من محاولات استئصال quot;للإرهابيينquot; مهددي أمنها، وتدمير لأنفاق أعدائها، وتضييق على حماس. وهذا مكسب لها. وتستمر في الوقت ذاته بالتوسع والاستيطان وتتجاوز كل التعهدات والالتزامات لإنجاح المفاوضات مع الطرف الفلسطيني. وتأخذ مكسباً إضافياً من وزير خارجية أميركا جون كيري الذي شكره نتنياهو على دوره في ملف الكيماوي السوري! معروف أن الاتحاد الأوروبي هدد إسرائيل بضرورة القبول بحدود الـ 67، وإلا ستخسر مليارات اليورو من الدعم. وسبّب هذا مشكلة كبيرة. في قلب التفاوض على الكيماوي، طمأن quot;كيريquot; إسرائيل إلى حسن سير الأمور وطلب من الاتحاد الأوروبي وقف تنفيذ القرار بعد أن فشل الإسرائيليون في ذلك! وهذا مكسب جديد.

8- كتبت سابقاً أن إسرائيل في تعاطيها مع الأزمة السورية تصرفت على الأساس التالي : تقول للنظام ، تريد أن تبقى؟ يجب أن تدفع الثمن. اليوم النظام ومن معه يهللون لأنهم quot;نجحوا quot; في تسليم السلاح الاستراتيجي ومنعوا أميركا ومَن معها من إسقاطه! خسرنا الحرب وبقي النظام. لا تزال هذه القاعدة الذهبية هي الأساس! بالنسبة إلى إسرائيل دفع النظام ثمن البقاء المؤقت. المؤقت لأن هذه السياسة مستمرة وما دفع ليس ثمن الأخير!

وتقول إسرائيل للعرب: تريدون إسقاط النظام، يجب أن تدفعوا الثمن. وقد دفعوا الثمن مقابل quot;البقاء المؤقتquot; أو quot;السقوط المؤجلquot; حتى الآن. دفعوا الثمن دخولاً مباشراً على خط الحرب السورية. انغماساً فيها. خيارات تسوية ضد إيران وquot;حزب اللهquot; تحديداً حتى الآن. اندفاعاً سياسياً إعلامياً سلفاً للمطالبة بضرب سوريا وتسليح المعارضة بالأسلحة الرادعة للنظام. والأمور مفتوحة على كل احتمالات التوتر بين بعضهم البعض وتأثيرهم لم يعد كبيراً حتى في ما يتعلق بالمفاوضات الجارية حول مصيرهم. وقبل ذلك أعطوا إشارات واضحة لتعديل المبادرة العربية للسلام، ورحبّت إسرائيل بذلك في حينه وستكمل سياسة ابتزازها للفلسطينيين والعرب، وثمة خيبة أمل من قبلهم ومن قبل تركيا بأميركا!

هذا هو quot;المنشارquot; الإسرائيلي، كيفما تحرك صعوداً أو نزولاً قصّ وفرم وأخذ، لقد أخذت إسرائيل من الجميع. وهذا ما جعل صحيفة quot;هآرتسquot; تقول: quot;إسرائيل أخذت كل ما تشاء في سلة واحدة من الاتفاق الروسي ndash; الأميركيquot; والحبل على الجّرار!