فهمي هويدي

نشرت صحيفة هآرتس في 8/9 الحالي مقالة عبر فيها كاتبها عاموس هاريل عن حفاوته بالضغوط التي تمارسها مصر على حركة حماس. لكنه شكك في صحة ما تروجه المصادر المصرية عن دعم حماس للجماعات الإرهابية في سيناء، وعن دورها في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري بسيارة مفخخة. هذه الشكوك التي عبر عنها الكاتب الإسرائيلي قد يستغربها كثيرون في مصر، بعدما نجحت حملة التحريض والشيطنة في إقناعهم بأن حماس تسعى لزعزعة الاستقرار فيها. وعند هؤلاء فإن هذه الأسطورة تحولت إلى عقيدة راسخة أقرب إلى المسلمات التي لا تقبل النقض أو المناقشة. وليت الأمر وقف عند ذلك الحد، لأن الأبالسة الذين روجوا للأسطورة ذهبوا بعيدا في التعبئة المضادة والتحريض حتى قرأنا لبعض المثقفين قولهم إن الفلسطينيين (هكذا بالجملة) صاروا جزءا من أزمة مصر. وقد أشرت إلى ذلك أمس، نقلا عما نشرته جريدة الأهرام يوم الثلاثاء الماضي 17/9.

هذا الذي يبدو مسلَّمة في أوساط بعض المصريين، يصيب قيادات حماس بالدهشة والصدمة. وهو ما وصفه الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة بأنه من قبيل اللامعقول الذي تصور البعض بأنه بات معقولا. خصوصا أن كل ما قيل عن laquo;تآمرraquo; حماس على مصر لا يزال أقرب إلى الادعاء والتسريبات التي لم تؤيدها وقائع ثابتة على الأرض أكدها أي تحقيق نزيه. وفي رأيه أن العلاقة بين القطاع الصغير والمحاصر وبين مصر الكبيرة والمفتوحة أكبر وأعمق من أن تحتمل اشتباكا بينهما. ذلك أنها تتجاوز الاعتبارات الإنسانية والعلاقات العائلية التي تربط بين أهل الدلتا وسكان القطاع، لتشمل المصالح الإستراتيجية والمنافع المتبادلة، التي لا يخطر على بال عاقل أن يضحي بها لأي سبب، إذ المعلوم للكافة أن مصر تمثل المنفذ الوحيد المتاح الذي من خلاله تتواصل غزة مع العالم الخارجي، بعد استبعاد إسرائيل بطبيعة الحال. وهو ما يفرض على قيادة القطاع أن تحافظ على جسورها مع مصر لا أن تخرب تلك الجسور وتقطعها. وهو ما يضطرها لاحتمال ضغوط كثيرة من القاهرة بسبب الخلافات السياسية التي كانت في أوجها على عهد نظام مبارك الذي كان أكثر تعاطفا مع إسرائيل.

من ناحية أخرى فإن قطاع غزة يعتمد اعتمادا شبه كلي على مصر، في تجارته ومستلزماته معيشته وفي تعليم أجياله وفي علاج مرضاه...إلخ. وقد أعلن هذا الأسبوع أنه بسبب تضييق مصر على القطاع في مستلزمات الوقود مؤخرا فإنه بات مهددا بالغرق بمياه الصرف الصحي، لأن ذلك سيؤثر على تشغيل مولدات الكهرباء، مما سيترتب عليه تعطيل قرابة 205 آبار مياه و42 مضخة للصرف الصحي و10 محطات مركزية لتحلية المياه إضافة إلى 4 محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي.

وإذا كان للقطاع مصلحته الأكيدة في الحفاظ على جسوره مع مصر، فإن لمصر بدورها مصلحة حقيقية في الاحتفاظ بعلاقات إيجابية ومستقرة مع القطاع، باعتبار أن ذلك من متطلبات حماية الأمن القومي. ذلك أن البديل عن حركة المقاومة الإسلامية التي تدير القطاع الآن أن يكون سلطة فلسطينية تنسق أمنيا مع إسرائيل وتدخل ضمن laquo;كنزها الإستراتيجيraquo;، وذلك وضع لا أظنه يخدم أمن مصر أو يطمئنها.

بقي بعد ذلك السؤال: لمصلحة من تفتعل الخصومة ويستمر الدس، ويروج للمواجهة بين حماس ومصر؟ــ لقد أشرت أمس إلى حزمة الوثائق التي أعلنت عنها حماس والتي أثبتت أن للأجهزة الأمنية الفلسطينية دورها في السعي المستمر لتوتير وتفجير علاقة الحركة بمصر، (وليس مفهوما ذلك السكوت المصري على تلك الوثائق، التي كان يفترض أن تخضع للتحقيق والتمحيص عند الحد الأدنى للتثبيت من صدقيتها).. وإذا كان للسلطة في رام الله ثأرها ضد حماس، فإن الثأر الإسرائيلي أضعافه، لأن حماس لا تزال تمثل شوكة في خاصرتها ورمزا لتحدي صلفها وكبريائها. وهو ما أثبتته حماس في أكثر من تجربة أكدت قدرتها على التحدي وإصرارها على المقاومة ورفض الركوع.

هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن المستفيد الوحيد من الوقيعة والدس بين مصر وحماس هم الإسرائيليون أولا، وأعوانهم الذين لا ينسقون معهم فقط ولكنهم يرفضون المقاومة أساسا. ثم إن نجاح تلك المساعي ليس من شأنه أن يضاعف الضغوط على حماس فقط ولا أن يرفع من منسوب المعاناة والعذاب الذي يعاني منه الفلسطينيون في القطاع فحسب، ولكنه يشكل ضررا بالأمن القومي المصري الذي يعد استقرار الأوضاع في القطاع وفي سيناء من ضروراته، ولأن أي عقل إستراتيجي رشيد يحذر من أن تخاصم أي دولة جيرانها، فإن مصر ينبغي أن تحذر دائما من تقاطع مصالحها مع ليبيا والسودان وقطاع غزة، إذا أرادت أن تظل ضمن الراشدين.