مشاري الذايدي


تحتفل السعودية اليوم بيومها الوطني، الذي يوافق 23 من شهر سبتمبر (أيلول)، حيث كان الإعلان الرسمي عن اسم المملكة العربية السعودية فيه سنة 1932.

تحتفل السعودية وهي تشهد laquo;ورشةraquo; عمل ضخمة في البنية التحتية، تحتفل وهي مستقرة آمنة، يتخطف الناس من حولها، لكن هذا الأمر لم يعجب قطاعا من النشطاء السياسيين، بعضهم سعوديون، وبعضهم ليس كذلك.

هناك حملات أطلقها بعض laquo;خطباءraquo; وكتبة التيار الأصولي المسيس، حافلة بالنقمة وبث الروح المتشائمة، وتثبيط الفرح والابتهاج بيوم وطني، والحديث عوضا عن الاحتفال بمناسبة لتعزيز الترابط الوطني، وتكريس الهوية الجامعة، عن مشكلات تخص هذا الطرف أو ذاك.

بالنسبة للناشط الأصولي الحركي، لديه مسببات للنكد، مثل وجود شاعرة محجبة ألقت قصيدة أمام الناس، بمناسبة رسمية ثقافية، على اعتبار أن هذا الأمر من عظائم الأمور التي تجر الويل والثبور. كما لدى هذا الكادر الصحوي سبب آخر للنكد ومحاولة التنغيص، والتزهيد بفكرة الاحتفال باليوم الوطني، مثل أنه لا يستطيع الاحتفال وفلان أو علان يقضي أيامه في السجن على خلفية قضايا، غالبها أمني، وبعضها منظور تحت القضاء، بغرض سياسي تثويري واضح.

انضم إلى هؤلاء كل من لديهم قرار مسبق بالغضب والحنق، أيا كان الحاصل على الأرض، فالغضب والحنق لديهم laquo;هويةraquo; وجود، وليس نتيجة محددة لوضع محدد، يزول بزوال سببه، بل هو قرار دائم وخالد ومؤبد.

هل يعني هذا شطب النقد والتقييم على أداء الدولة والوزارات؟ طبعا لا، بل هذا ضد مصلحة الدولة والمجتمع تماما، سلوك يقترب من كره الدولة والمجتمع، أقرب من أن يكون تعبيرا عن الحب.

المراد هو أن النقد المنصب على أمر محدد شيء، والرغبة في laquo;بناءraquo; حالة تذمر وغضب، أيا كان السبب الذي يستخدم لـlaquo;صناعة التذمرraquo;، شيء آخر. دليل هذا أنك تجد نفس المجاميع، بل نفس الأفراد أحيانا، هي التي تنشط في حملة ما، ثم تجدها في حملة أخرى تختلف عن الأولى في مجالها ونوعها، ثم في حملة ثالثة ورابعة... وهكذا. إذن نحن أمام قرار مسبق ومبيَّت للغضب والحنق، وتعميم هذا الشعور.

حتى هذا، في تقديري، لا مشكلة فيه بشرط الوضوح في رسم الموقع الذي ينتمي إليه هذا النشاط، وهو بصراحة laquo;المعارضةraquo; المحترفة. المشكلة هي في هرولة laquo;بعضraquo; الطيبين أو الباحثين عن الإثارة في هذا، من دون أن يعلموا أنهم في خضم نشاط سياسي معارض، ممنهج ومحدد، لا قضية غضب من هذا الأمر laquo;المحددraquo; أو ذاك.

أعتقد أننا بحاجة لرؤية مختلفة وجديدة، لإنعاش الذاكرة الجديدة بما جرى في رمال وجبال ووديان الجزيرة العربية قبل قرن من الزمان حتى الآن، ولماذا يجب أن نفخر بهذه الدولة وهذا المجتمع ونحفظهما بهدب العيون.

شيء من هذا الإنعاش للذاكرة وlaquo;التثقيفraquo; بالملحمة السعودية، من دون تقديس ولا تبخيس، يقع على عاتق الدولة نفسها، كما على عاتق كل من يستطيع، وتلك قصة أخرى.