منصور النقيدان


يحتفل السعوديون اليوم بمرور اثنين وثمانين عاماً على تأسيس المملكة. في الحقيقة هي مائتان وسبعة وسبعون عاماً، منذ بايع الأمير محمد بن سعود الإمام محمد بن عبدالوهاب في العام 1774.

تعرضت هذه الدولة العظيمة لكارثتين كبريين تسببتا بسقوطها مرتين، مرة بسبب الفتوحات والتمدد الجغرافي الهائل في حقبة سعود الكبير، وما تبع ذلك من نتائج خطيرة أدت في النهاية إلى سقوط الدرعية في عام 1814. وقد كان الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة الثالثة، ينتقد في مجالسه وبين مستشاريه، سياسة سعود الكبير، الذي خلفه ابنه عبدالله الذي أعدم في إسطنبول بعد وقوعه في الأسر. ومن يطالع محضر التحقيق مع عبدالله بن سعود -وقد ترجمته دارة الملك عبدالعزيز إلى العربية- يدرك كم كان الملك عبدالعزيز حكيماً، حينما قام بمنع الإخوان عام 1924، من هدم القبة الخضراء التي تعلو المسجد النبوي. وحين أكثر المحتسبون الإنكار، وسعوا إلى إزالة قصيدة البردة التي كتبت على قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، تسلل اثنان، منهم إمام المسجد الحرام، لمحوها من دون إحداث أي ردود فعل. كان أمراً دبر بليل.

من يطالع الرسائل التي كان سعود بن عبدالعزيز بن محمد يرسلها إلى أمراء الجزيرة، وولاة الشام والعراق، يصاب بالدهشة، حيث كانت مفعمة بالفخر والتعالي، كانت لغة الفاتحين العظام الذين لا تقف دون طموحهم حدود. كانت جيوش سعود الكبير تكتسح كل ما أمامها، ولم يكن مفاجئاً أنها وصلت إلى حدود دمشق، وفرضت الزكاة على القبائل التي كانت تعيش في شمال سوريا، وباغتت أكثر من مرة أهالي كربلاء.

كان علماء الدين ينتقدون في السر سعوداً في علاقته الجيدة والوثيقة بشاه إيران، وكانوا يعيبون عليه تبادله الهدايا والرسائل الرقيقة مع شاه (العجم كما كانوا يصفونه)، بينما كانت معاملته مع السلطان العثماني تميل إلى القسوة. كان سعود سياسياً بامتياز، ولكنه في الوقت نفسه ارتكب أكبر الأخطاء حينما منع قافلة الحج التركية التي كانت تضم أخت السلطان، وجاءت الباقعة حين صادرت جيوشه ذخائر الحجرة المحمدية وأمر بأن تضم إلى بيت المال وتنفق في وجوه الخير. ولهذا كان ابنه عبدالله يتبرأ من كل تلك الإجراءات ملقياً اللائمة على عصر والده.

المثير في الأمر أن الأئمة من آل سعود كانوا على الدوام يطمحون إلى الشمال والشرق، إلى الموارد المائية، حيث تنشأ الحضارات وتستقر الشعوب، وهذا ما شكا منه فيصل بن تركي في سنواته الأخيرة عندما زاره المندوب البريطاني عام 1875 في الرياض، حيث وصف الإمام لـلمبعوث البريطاني laquo;بيليraquo;، الأزمة التي تعاني منها دولته ورعيته: laquo;نحن نحتاج إلى الموارد التي تشجع رعيتي على الاستقرار، بدون ذلك لا يمكنني أن أحضّرهم أو أمدنهم، نحن نطمح إلى الشرق، إلى التوسع شرقاًraquo;، وهي العبارة التي أثارت استغراب laquo;بيليraquo; وتساؤله إن كان فيصل بن تركي يقصد الزحف نحو بلاد فارس!

مع عبدالعزيز بن عبدالرحمن توطدت هذه المملكة وهي الآن بعد 82 عاماً، تنعم بأكثر حالاتها قوة، وبأكثر ملوكها محبة وحلماً ورأفة بشعبه، وبأكثر قياداتها الشابة قوة ودهاء وصلابة، وإدراكاً للمخاطر والمؤامرات التي تحاك.

يحتاج السعوديون أن يدركوا أن الله أنعم عليهم بالأمان والاستقرار والثراء، وأغدق عليهم بالأمل، بينما يتخطف الناس من حولهم، ويعصف الخوف والفقر بجيرانهم، وتخبو شعلة الأمل في عيون شعوب تحيط بهم كالسوار في المعصم، وأن يعوا جيداً أن الشتاء العربي الذي سحق العالم العربي،وسلم الله منه المملكة، لم يكن استقرارنا مجرد صدفة، ولا خبط عشواء، بل كان منبعه الحكمة والصبر والشجاعة.