محمد ولد المنى


شكلت الانتخابات العامة النرويجية، حيث فتحت الاثنين الماضي 206 لجان انتخابية أبوابها لاستقبال 3٫6 مليون ناخب مسجل، نوعاً من المفاجأة للكثيرين، إذ بدت الأمور للوهلة الأولى متجهة نحو بقاء اليسار في سدة الحكم، لاسيما أن النرويج تشهد ازدهاراً اقتصادياً لافتاً، مع نسبة بطالة متدنّية ومستوى معيشي مرتفع... لكن الناخبين النرويجيين منحوا الفوز لليمين الذي حصل ائتلاف أحزابه على أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة. وقد باشرت laquo;إرنا سولبرغraquo;، رئيسة laquo;حزب المحافظينraquo;، متزعم الائتلاف وأكبر أحزابه، لقاءاتها الأربعاء الماضي مع القادة السياسيين لليمين، لتصبح ثاني رئيسة وزراء للنرويج بعد العمالية laquo;غرو هارلم برونتلاندraquo; (1981 -1996).

وlaquo;سولبرغraquo;، مرشحة ائتلاف يمين الوسط الفائز بالأغلبية البرلمانية لتولي منصب رئيس الوزراء، سياسية نرويجية ورئيسة laquo;حزب المحافظينraquo;، وقد سبق أن دخلت البرلمان عدة مرات، كما تولت وزارة الحكم المحلي والتنمية الإقليمية.

ولدت laquo;إرنا سولبرغraquo; في بيرغن بغرب النرويج عام 1961، ونشأت في حي كالفاريت الراقي، حيث كان والدها مستشاراً هندسياً ووالدتها موظفة مكتب. وقد تعرضت laquo;إرناraquo; لمشكلات دراسية في بداية حياتها، مثل عسر القراءة الذي رافقها حتى سن الـ16، لكنها سرعان ما أصبحت مساهماً نشطاً في الفصول الدراسية. وفي عام 1979 انتخبت رئيساً للاتحاد الطلابي في مدرستها، و تم اختيارها في العام نفسه منسقاً وطنياً للعمل الخيري الطلابي لصالح أطفال جامايكا. وفي عام 1986 تخرجت بشهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بيرغن، حيث كانت رئيسة لرابطة طلاب laquo;حزب المحافظينraquo;.

وأصبحت سولبرغ نائب عضو في مجلس مدينة بيرغن على فترتين؛ بين عامي 1979 و1983 ثم من 1987 إلى 1989، وفي هذه الفترة الأخيرة ترأست اللجنة التنفيذية للمجلس، كما ترأست القسم المحلي لحزب المحافظين، ثم تم انتخابها لأول مرة في البرلمان، على قوائم الحزب عن دائرة هوردالاند، في عام 1989، ليعاد انتخابها في خمس مناسبات تالية. كما خدمت كوزيرة للحكم المحلي والتنمية الإقليمية في حكومة laquo;كييل بونديفيكraquo;، خلال الفترة بين عامي2001 و2005، حيث اشتهرت بتبنيها مواقف متشددة فيما يخص سياسة الهجرة ومنح اللجوء للأجانب. وبسبب ذلك أطلقت عليها وسائل الإعلام النرويجية لقب laquo;إرنا الحديديةraquo;.

لكن الأرقام تظهر أن حكومة بونديفيك (2001-2005)، وافقت على عدد من طالبات اللجوء أكثر من مما ستفعل حكومة يسار الوسط (2005-2009). بل إن سولبرغ نفسها اقترحت، في عام 2003، السماح بإدخال مجالس الشريعة الإسلامية للنرويج بعد أن سُمح بها في المملكة المتحدة، كما أعربت في عام 2004 عن رغبتها في زيادة الهجرة إلى النرويج! وبعد ذلك بأربع سنوات، كُشف النقاب عن أن سولبرغ رفضت طلباً من العالم النووي الإسرائيلي المنشق موردخاي فعنونو للحصول على اللجوء في النرويج. ووفقاً لوثيقة سرية كشف عنها في عام 2008، فإن سولبرغ رأت أن استقبال فعنونو سينظر إليه على أنه عمل معاد لإسرائيل، وهو ما لا يلائم موقف الحكومة النرويجية التي تعد صديقاً تقليدياً للدولة العبرية ولاعباً سياسياً مهماً في الشرق الأوسط.

وشغلت سولبرغ منصب نائب رئيس laquo;حزب المحافظينraquo; في مايو 2002، ثم انتخبت في مايو 2004 على رأس الحزب، فقادته خلال الانتخابات التشريعية، في سبتمبر 2005، حيث حصد 14٫1 في المئة من أصوات الناخبين و23 مقعداً من أصل 169 في البرلمان، وهي أسوأ نتيجة في تاريخه... لكنها استمرت في قيادة الحزب، فرفعت حصته في الانتخابات التالية (سبتمبر 2009) إلى 17٫2 في المئة من الأصوات و30 مقعداً، وإن بقي في المرتبة الثالثة خلف laquo;الحزب التقدميraquo; صاحب المرتبة الثانية. لكن المحافظين سجلوا تحت قيادة سولبرغ أكبر انتصار لهم خلال انتخابات الأسبوع الماضي، وذلك بنسبة 26٫8 في المئة من الأصوات، مع 48 مقعداً نيابياً، بينما حصلت laquo;الكتلة البرجوازيةraquo; (يمين الوسط) بقيادتهم على 96 مقعداً.

وقد أطلقت سولبرغ، الأربعاء الماضي، مشاوراتها مع القادة السياسيين لليمين، لتشكيل ائتلاف من أربعة أحزاب مع laquo;الحزب التقدميraquo; وlaquo;الحزب الليبراليraquo; وlaquo;الحزب الديمقراطي المسيحيraquo;. هذا بينما اعترف رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، ينس ستولتنبرغ، بهزيمته، وقال إن حكومته ستقدم استقالتها يوم 14 أكتوبر المقبل، بعد تقديم الميزانية وبعد أن تصبح الأغلبية البرلمانية الجديدة مستعدة لتشكيل حكومة. لكن الإعلام النرويجي رأى في تأخير استقالة ستولتنبرغ رهاناً منه على عجز خصومه اليمينيين عن التفاهم، فيتجه التكليف نحوه كزعيم لـlaquo;حزب العمالraquo; الحاكم منذ عام 2005، والذي تصدّر نتائج الانتخابات الأخيرة بحصوله على 55 مقعداً. بيد أنه احتمال ضعيف؛ إذ أخفق ائتلافه الحزبي المكون من الحمر والخضر في نيل الأغلبية اللازمة للفوز بولاية ثالثة مدتها أربع سنوات.

أما سولبرغ فقالت إن تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد قد يستغرق نحو خمسة أسابيع، وإن الحكومة المقبلة تعتزم إدخال تغييرات على الميزانية، مع تخصيص مزيد من الأموال لتدريب المدرسين. كما سبق أن وعدت بخفض الضرائب وزيادة النفقات العامة، لاسيما على الصحة والبنية التحتية. لكن أكثر ما يميز الائتلاف المتوقع (يمين) عن الائتلاف الحالي (يسار) هو تشدد الأول في سياسات الهجرة، خاصة منه laquo;الحزب التقدميraquo; الذي ظل منذ تأسيسه قبل أربعين عاماً في المعارضة، لكنه أصبح الآن بحصوله على 30 مقعداً في البرلمان، ثالث قوة سياسية في البلاد. وكان أندرس بريفيك، منفذ مذبحة أوسلو التي أسفرت عن مقتل 77 شخصاً، عضواً سابقاً في هذا الحزب، وإن نأى الأخير بنفسه عن القاتل وخفّف من تصريحاته الحادة ضد المهاجرين، لكنه ما يزال يعتبرهم المشكلة الكبرى للنرويج، حيث تدفق عليها منهم 70 ألف شخص العام الماضي، بينهم 25 ألفاً غير أوروبيين، مما أدى إلى زيادة سريعة في عدد السكان الذين يناهزون حالياً 5٫1 مليون نسمة.

وإذا ما تكونت حكومة سولبرغ اليمينية، وهو الاحتمال الأرجح بطبيعة الحال، فإن شعارات اليمين المعارض في مضمار الهجرة، سيصعب عليه تنفيذها وهو في السلطة. كما سيصعب عليه تخطي عتبات النمو ومؤشرات الازدهار التي حققتها النرويج خلال الأعوام الثماني الماضية من حكم اليسار. وسيكون على سولبرغ أن تحافظ على معدلات النمو ومستويات الرفاه الحالية، وفي ذلك رهان على استمرار النجاحات الحالية وليس على تغيير السياسات، خاصة أن النرويجيين لم يصوتوا ضد تحالف اليسار لفشل إدارته الاقتصادية، بل بدافع الملل ومن منطلق رغبتهم في تغيير الوجوه والأسماء.