فاتح عبدالسلام


لم يخبرنا صاحب المبادرة والموقعون عليها والواقعون في غرامها وإطلالة شاشاتها، ما المقياس الذي يمكن من خلاله القول إنّ المبادرة جرى خرقها؟ لقد تحدثت الجذوعُ والغصون والفروع والأوراق، اليانعة منها واليابسة، عن المحاذير من خرق المبادرة وميثاق شرفها، لكن أحداً لم يعط للعراقيين معياراً محدداً وعلمياً واضحاً بمسمى الحدث الذي يخرق المبادرة أو يودي بها إلى الهلاك.
في الوهلة الأولى، بَدَرَ إلى ذهن كثير من العراقيين أن توقيع ذلك الميثاق يعني نهاية التفجيرات الاجرامية التي ما شهد العراق من أمثالها كما حدث في الشهور الأربعة الأخيرة، أو أن ذلك الاتفاق الشرفي سيوقف فوراً الاغتيالات. لكن آخرين رأوا أن تلك الاتفاقات لا تخص التفجيرات والاغتيالات لأن ذلك سيكون إقراراً ضمنياً بمسؤولية من اجتمع في تلك القاعة في جميع الجرائم التي راح ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين في عشر سنوات بين قتيل وجريح ومهجر ونازح.


بعد الاتفاق المشهود حدثت تفجيرات اجرامية كبيرة في سامراء ومدينة الصدر والدورة وحي أور وكركوك والأعظمية واستمرت الاغتيالات على نحو متسارع في مدن كثيرة. لا يدري أي مراقب إنْ كانت تفجيرات بهذا المستوى الدموي تكفل نقض العهود أو أنَّ ذلك الميثاق له نصاب أعلى في الاحتمال، فقد يحتمل عشرين تفجيراً وخمسين مفخخة وسبعين اغتيالاً ومائة خرق أمني.
كم العدد المطلوب من عبوات الموت وأساليب إشاعته بين العراقيين لكي تقتنع حفنة من السياسيين الموهومين إنهم في وادٍ غير ذي زرع لحياة تخص الملايين وإنما هم في متاهة مخاوفهم من احتمالات أن يأكل القوي الضعيف والمستوي المستضعف والمولّى المولّي عليه. وان العملية السياسية لم تكن سوى مساومات وصفقات داخلية لتوزيع حصص رعتها واشنطن فترةً من الزمن وتتعثر إيران في رعايتها بسبب وضعها الدولي.
الفشل له عنوان واحد، هو ما يحدث في بلاد أصبحت غريبة عليهم ولا أقول إنهم غرباء عليها.. بلاد تشرّبت بالدم في كل بقعة، بلاد شهيدة بكل ما في الكلمة من معنى.
حتى الزلازل لها مقياس ريختر ليعلم الناس مقدار الدمار والموت، إلاّ ما يحدث في العراق ليس له مقياس وكل مصيبة تأتي بمصيبة أكبر منها، وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم