طيب تيزيني

في الصراع الدائر في مصر حول الموقف من المجتمع المدني، تعلن جماعة laquo;الإخوانraquo; أن مجموعة مسائل ينبغي إسقاطها من الدستور المصري الذي أدخلها laquo;اليسار القوميraquo; فيه وتتمحور حول قضية العلاقة بين الإسلام والمجتمع ومن ذلك علاقة المجتمع بالدين، والمساواة بين الرجل والمرأة، وذكر الدين الخاص بكل فرد في هويته. وموقع الشريعة الإسلامية في الدستور، والتأكيد على laquo;أهل الذمةraquo; واستنباط السلطة السياسية من مسوغات الشريعة الإسلامية... إلخ. وهم يقاتلون في سبيل ذلك، ومن ثم هم قاموا بما قاموا به من تظاهرات بكل مظاهرها، تأكيداً منهم وهذا أمر ذو أهمية مبدئية قصوى - على أن ذلك متحدر من حقوقهم وواجباتهم حيال الدين الحنيف، كما يفهمونه هم.

ولعلنا نلاحظ أن أفكار laquo;الإخوانraquo; بقدر ما هي حازمة صارمة فهي، كذلك في الوسائل والطرائق والأساليب التي يستخدمونها لتحقيق ذلك صارمة إلى حد التشدد والقطعية، ومعروف في تاريخ هذه المجموعات أنها تأسست بمساهمة كبرى من قبل حسن البنا قبل ثمانين عاماً. ولكن هذا المؤسس جرى تجاوزه من قبل سيّد قطب، الذي أضاف إلى ذلك أنه وضعه في سياق سياسي، مع أن ذاك المؤسس رفض في حينه ذلك، ومن المهم وضع اليد على هذه الإضافة، التي أخذت شخصية فكر سياسي أدخل منذئذ في حقل صراع المصالح وكذلك في حالة الاضطراب الخاصة بإدخال النسبي في المطلق، فأفسد هذا وذاك. ذلك لأن القياس بالمطلق وسحبه على النسبي يسيء إلى كليهما، ولا تزال أصداء المعارك الدينية المنهجية التي وضعها رهط من الكتاب والمفكرين والمشرعين في مصر وعلى امتداد عقود غير ضئيلة وغير هادئة.
لسنا الآن في معرض البحث المفصل في تاريخ حركة laquo;الإخوان المسلمينraquo; بمصر أو بغيرها. لكننا هنا نسعى إلى ضبط الجذور التي انطلقت منها تلك الحركة، ونحن هنا نضيف إلى ذلك أن تحويل الدين إلى حقل سياسي يمتلك شرعية إيديولوجية دون الشرعية المعرفية المؤسسة على المصداقية العلمية، أما ما سجلته حركة laquo;الإخوانraquo; في مصر على امتداد ثمانين عاماً من استمرارية، فهي قدرتها على عكس خيبات الأمل، التي أصيب بها (غلابا) الشعب المصري طويلاً، لقد حدث ذلك تحت قبضة الفقر والأفكار الماضية والاستبداد والإذلال في مراحل مصر الفرعونية القديمة وما بعدها. وبالمثل نأخذ طرفاً من ذلك يتمثل في البنية الأيديولوجية لشخصية المرشد، laquo;مرشد الجماعةraquo;. أشير إلى ذلك إلى ذلك لأهمية وخطورة ما يقوم من علاقة التبعية المفعمة بعلاقة laquo;السيد بالعبدraquo;.

إن ذلك كله تشكل ما يقترب منه على امتداد أربعة عقود ونيف في تاريخ سوريا، وهي المرحلة التي امتلأت بكل ما أنتجته مرحلة الحكم التي قاداها الرئيس حافظ الأسد وابنه بشار الأسد، ولا نشك أن بعضاً من مظاهر هذه المرحلة برز فيما قبل الرئيس الأول، فمع القول بأن تاريخ سوريا الحديث منذ بدايات غزو فرنسا الاستعمارية لسوريا، لم يشهد نمطاً من الإسلام السياسي ذا طابع ملىء بالتشدد الفظ.

ولكن جاءت مرحلة الحكم باسم حزب laquo;البعثraquo;، ليجري عبثاً بالفكر السوري العربي، حيث أفسد فكر الحداثة يداً بيد مع هيمنة الشمولية والاستقرار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية المجتمعية السياسية، القول بأن حزب البعث يقدر الدولة والمجتمع. وأذكر ما حدث معي، حين دعيت للمناظرة مع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فحدث بعض الاضطراب، حين ظهر للأمن السوري أن الفكر laquo;الإخوانيraquo; انغرس وتجذر في الحياة الثقافية السورية. فاتصل بي المرحوم محمود الزعبي رئيس وزراء سوريا في حينه، فقال لي: إن القيادات السياسية في سوريا أهملت الفكر العقلاني والحداثي، بحيث أتيح للإخوان المسلمين أن يتلقوا مزيداً من الانتشار. وتعقيباً على ذلك، أعلن الرجل قائلاً: سنسعى إلى إعادة الموقف لصالح العقلانيين والعلمانيين، فشكرته وقلت له: سنرى ذلك إن كان قابلاً للتحقيق. وبعد فترة قصيرة مات الرجل، وظلت العربة سائرة إلى الأمام، كما كانت بمزيد من انتشار الفكر laquo;الإخوانيraquo; والطائفي، وهذا هو الذي لجأ إليه النظام مجدداً لإذكاء الفكر الطائفي.