أمينة أبو شهاب

أليس من المبكر القول إنه: ldquo;لا إخوان بعد اليوم؟rdquo; .

ظهرت المراوغة الإخوانية حول الحقيقة (أيّ حقيقة) وحول شكل وجود الجماعة كمؤسسة اجتماعية سياسية في أبلغ تجلياتها في حكم محكمة الأمور المستعجلة الذي تضمن أمر الحل على جماعة لا أساس قانونياً فعلياً لها . جماعة الإخوان المسلمين هي ليست قائمة بالفعل حسب المنطق القانوني، وبالتالي فلا مجال لحلها قانوناً، كما يقول المتبحرون في النظام القانوني في مصر . الجماعة الإخوانية هي قائمة بحكم الواقع فحسب: إنها ليست بالفعل كياناً سياسياً ملموساً أو مؤسسة اعتبارية . ولذلك فالحكم الصادر بحظرها يستهدف ldquo;الواقعrdquo; . ولأجل هذه المراوغة في التواجد في الواقع السياسي المصري، كان رد الإخوان على حكم الحظر بالقول إنه لا خوف من محاولة استئصالهم من خلال قرارات القضاء أو الحكومة، وإنهم استمروا في البقاء لمدة خمسة وثمانين عاماً بسبب أنهم ليسوا ldquo;مؤسسةrdquo; بل فكرة يستحيل القبض عليها أو قتلها .

الفكرة المقصودة ليست هي العقيدة وإنما هي آلية المراوغة والتخفي والقدرة على التمويه والتملص حين المواجهة مع الدولة التي يتواجد الإخوان في ثناياها ومفاصلها ويتماهى تكوينهم في كثير من الأحيان مع مؤسساتها ومؤسسات ومنظمات المجتمع .

مازال الإعلام الغربي يصف جماعة الإخوان في مصر بأنها ldquo;منظمة مجتمع مدنيrdquo; . منظمة كهذه هي الأكبر حجماً على مستوى المنطقة لا تملك أوراقاً ثبوتبة قانونية تثبت هويتها ولكنها تملك صفة اتخاذ هيئة التمويه إنها كذلك، وذلك في فترة كانت تمثل التوجه السياسي الغربي لتغيير الوضع السياسي العربي من خلال دعم ldquo;منظمات المجتمع المدنيrdquo; . أين هي الدلائل اليوم على هذه الصفة في ظل حيرة القانون المصري إزاء التواجد الفعلي الملموس ورقاً رسمياً وقانوناً للإخوان ومؤسساتهم التي يعملون من خلالها ويستخدمونها واجهة لهم .

لم يسجل الإخوان ldquo;جمعيتهمrdquo; إلا مستعجلين في أواخر عهد مرسي، وهي مع هذا التسجيل تثير علامات الاستفهام في كون أعضائها المسجلين إخواناً حقيقيين أو أن يكونوا أشخاصاً عاديين تم استخدامهم للتمويه . أما الأموال والممتلكات التي يتحدث الحكم القضائي عن مصادرتها، فإن هذه المصادرة هي مستحيلة في الواقع لأنها مسجلة باسم أفراد في التنظيم أو بأسماء أشخاص عاديين للتمويه .

هكذا تمضي فكرة أو لعبة التمويه بلا نهاية أو حدّ، حيث ينفي أكبر القياديين الإخوان لاعتصام رابعة العدوية انتماءهم للإخوان قائلين إنهم أعضاء في حزب الحرية والعدالة ولا علاقة لهم بالإخوان، مع العلم أن هذا الحزب هو الذراع السياسية للإخوان .

سؤال هوية الإخوان يطرح نفسه بقوة هذه الأيام وذلك بعد أن استعرض الإخوان قدرات خارقة على التشكل واتخاذ هيئات سياسية تضم الأطياف كلها بدءاً من الجماعة الدعوية المتخذة للصفة السلفية، ثم الحزب السياسي على النمط الفاشي المماثل لأحزاب الأربعينات من القرن الماضي في الغرب، وتبني العنف السياسي والاغتيالات، وانتهاء بتبني الصفة المدنية وإعلان التماثل مع أحزاب اليمين المسيحي، كما ورد على ألسنة زعماء الإخوان بعد الصعود للحكم في مصر وتونس . ولقد عاد الإخوان أخيراً إلى خطهم الأساسي في العنف السياسي .

هل ldquo;الإخوان المسلمونrdquo; هو، إذاً بالاسم الثابت والدائم للحركية المستمرة في التمويه والتخفي والعمل الدائب عبر العقود الزمنية الماضية على التمدد في مفاصل وجيوب الفراغ في الدولة العربية أينما كانت؟ أم أن أسلوب الجماعة وميكيافيليتها وتحايلاتها على سلطة الدولة التي تريد وراثتها والحلول مكانها هو ما يملي رفع الشعار الخالي من المضمون . وبالتالي، فإن الجماعة أو الفكرة ستبقى موجودة وباقية بقدر وجود ذلك الواقع المحتضن في المجتمع العربي لجماعات المصالح ومحاولاتها امتلاك أدوات السيطرة السياسية والسيطرة على الأذهان والعقول .

الإخوان هم مجتمعاتنا العربية في إتاحتها الفرصة لثقافة الازدواجية السياسية والنفاق والمساومة ودعم المصالح الفئوية للتمدد في جسد الدولة ومؤسساتها وفي أوساط الفقر والجهل والتفكير المغلق .

الكلمة الفصل في ظاهرة التلون والتمويه الإخواني ليست هي في حكم قضائي تمرس الإخوان في الالتفاف عليه حين صدر مثيله مرتين في مصر وكان ذلك أيام الملك فاروق وفي زمن عبدالناصر، وإنما هي في واقع جديد للمجتمعات العربية لا يعود ممكناً فيها تمدد الظاهرة في جيوب الظلام والفقر والجهل وغياب الحرية . شرعية الإخوان ولا شرعيتهم هي شرعية مجتمعية قبل كل شيء،