ابراهيم حيدر

يقال أن الشباب اللبناني وغالبية طلاب الجامعات يدعمون الحرب، وأن نسبة لا بأس بها منهم مستعدة لحمل السلاح اذا لزم الأمر. ويقال أيضاً، وفق ما ورد في بحث استطلاعي أكاديمي، أن غالبية الشباب هم من الخمولين الذين لا يتحركون من أجل التغيير. قد يكون هذا الاستنتاج متسرعاً بعض الشيء، في حسم النتيجة بين البيئات اللبنانية المختلفة، طائفياً وسياسياً ومجتمعياً، طالما لا نعرف أين أعد البحث وفي أي مناطق، الى العينات التي أختيرت عناصرها، وبأي مستوى أجابت أو حسمت موقفها من احتمالات الحرب والمشاركة فيها.

الحديث هنا يدور في شقه النظري. لكن يجب ملاحظة ان البحث لا يأتي أيضاً من فراغ، إذ ان اللبنانيين، وبينهم الشباب، يعيشون في مناخات مؤاتية للحروب، وكأنهم يعيشون حرباً مستترة، وليست مشتعلة، فيما المنطقة مشتعلة ومضطربة. فإذا كان الشباب لا يكترثون للتغيير، فذلك يعني أنهم مستعدون لخيارات أخرى، قد تكون الحرب في مقدمتها، من دون ان تكون واقعاً أو قريبة الى الاشتعال.
ولعل الصراع الطائفي في المنطقة، خصوصاً بين السنة والشيعة، لا يخرج لبنان من دائرته، وإن كانت مفاعيله تضبطها اعتبارات محلية وإقليمية ودولية. هذا يعني أن الشباب المسيحي خارج دائرة التفكير بالحرب، مبدئياً. وإذا أجريت مقارنات بين مناطق ذات غالبية مسيحية، نشهد وجود مؤسسات الدولة التي لا تزال فاعلة نسبياً مقارنة بالمناطق ذات الغالبية الإسلامية، وبينما تبقى فكرة الدولة موجودة، يعني إبعاد شبح التفكير بالحرب لدى الشباب والطلاب، أو أقله بهذا الخيار، في حين أن غياب المؤسسات والقانون يدفع للتفكير بأشكال أخرى بديلة.
لكن فكرة الحرب تبقى موجودة بين الشباب والطلاب، في ضوء الاصطفافات القائمة في البلد. والحرب خيار لم يخرج من أذهان اللبنانيين، فلا تطهير للذاكرة من أخطارها، بل مجرد نسيان، فكيف بالشباب الطامح الى موقع أو دور في الصراع المحتدم. ولا إمكان اليوم لنقد ذاتي يضع الجسم بالكامل على مشرحة النقد. هي فكرة موجودة بالقوة، طالما أن لا وجود لمشروع ينظم الخلاف بين اللبنانيين، ولا اتفاق على تاريخ رواياته حقيقية، وغير مدبرة، يؤدي الى بناء واقع مختلف يعزز الاستقرار والتفاهم. وهذا الخلاف تكرس راهناً قانوناً عاماً، فأفضى عند الشباب وطلاب الجامعات، مواصفات ومعايير للوطنية وشروط المواطنة وميزاتها. ونقترب من الحرب عندما تكون الاختلافات جلية في المحطات الساخنة والمفصلية في ظل الاصطفافات، وعندما يصبح هناك قراءة خاصة لكل فئة من اللبنانيين عما يحصل، وعن كل موضوع أو إنجاز يتحقق. يقترب الشباب أكثر من الحرب عندما يوقظ الصراع حساسية الفئويات كلها، ولا يقيض لأي طرح وطني جامع أن يثمر سياسياً داخلياً عاماً، أو للنقاط المضيئة أن تتصدر تاريخنا أمام معادلات الولاء الفاسدة.