وليد شقير

بقدر ما كان افتتاح أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذه السنة فائق الأهمية على صعيد تحديد سياسات اللاعبين على المسرح الدولي أكثر من سنوات سابقة غلبت فيها الرتابة في بعض الأحيان، بقدر ما برهنت الخطب والمواقف التي ألقيت من أعلى منبر في العالم أن القضايا الكبرى التي تناولها كبار اللاعبين غير قابلة للحلول السريعة، على رغم غلبة لغة الحلول الديبلوماسية والانفتاح عليها، مقارنة بالحلول العسكرية.

وإذا كان الشرق الأوسط هيمن على الافتتاح بفعل الأزمة السورية وتداعياتها، والملف النووي الإيراني ودور إيران، فإن الخطابين الرئيسيين اللذين شدا الأنظار، خطاب الرئيس باراك أوباما وخطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، أظهرا صعوبة الإقبال على الحلول وبطء وتيرتها إذا كان الحراك السياسي لترجمة تلك الحلول سينطلق بعدهما.

فأوباما لم يخف ذلك بعد أن تحدث عما يمكن البناء عليه من إيجابيات في المواقف الإيرانية للانطلاق في مفاوضات تحتاج الى وقت للتغلب على عقود من الخصومة، وحين اعتبر أن laquo;إرساء الديموقراطية والحرية في المنطقة هو مهمة جيل بكاملهraquo;.

والرئيس الإيراني بدوره لم يكن شديد الاستعجال بقدر الإيحاءات التي تركتها تصريحاته السابقة على الخطاب، والنشاط الهائل الذي سبق وصوله الى نيويورك بأشهر من قبل فريق عمل إيراني كبير، يضم كفاءات مهمة في العلاقات العامة، وشكل لوبياً نشطاً بين العاصمة واشنطن ومقر المنظمة الدولية ومراكز الأبحاث والتسويق، لدعوة المؤثرين على مركز القرار الأميركي الى الإفادة من فرصة روحاني للانفتاح عليه وإيجاد حلول للعداوة بين الدولتين. فهو مع دعوته الى التوصل الى laquo;صيغة لإدارة الاختلافات على أساس الاحترام المتبادلraquo; داعياً الى laquo;ترجيح السلام على الحربraquo;، ومع تأكيده أنه مع مفاوضات لإزالة الشكوك (حول نية طهران امتلاك سلاح نووي) وضد التنازل عن التخصيب، أراد التأكيد لأميركا والغرب، أن سياساتهما laquo;تحرم القوى الإقليمية من مجالاتها الطبيعيةraquo;، بما يوحي بالتشدد حيال النفوذ الذي اكتسبته في المنطقة. كان كل ذلك مخالفاً لعملية السحر والجاذبية التي مارسها فريق عمله ووزير خارجيته محمد ظريف، في حملة العلاقات العامة التي قاما بها مع الإعلام ومؤسسات الدراسات.

ومع laquo;الأسلوب الجديدraquo; الذي ترى واشنطن أن روحاني يسعى لاعتماده، فإنه آثر laquo;الحيطة والحذرraquo; في اختيار كلماته وصوغ المعادلات اللفظية لانفتاحه، وفضل صرف النظر عن لقاء الصدفة الذي كان يجري تدبيره بينه وبين أوباما في أروقة الأمم المتحدة، تفادياً لإغضاب المتشددين في بلاده، بعد أن كان laquo;الحرس الثوريraquo; نبّه الديبلوماسية الإيرانية من الوثوق بالسياسة الأميركية قبل يوم من سفره الى نيويورك. وهو لم يُخف حذره ايضاً في بعض لقاءاته في الغرف المغلقة إزاء صعوبة التوصل الى تفاهمات حول الملفات العالقة في الوضع الإقليمي، من البحرين والخليج الى سورية ولبنان وغيرهما عند زيارته المرتقبة للسعودية منتصف الشهر المقبل، والتي يُعوِّل عليها في تفكيك حال الخصومة بين البلدين.

لم يكن روحاني وحده الذي توخى مخاطبة الداخل عنده إن في حذره بخطابه أو في سلوكه. فأوباما نفسه فعل ذلك في معرض مخاطبته قادة دول العالم في قاعة الجمعية العمومية للمنظمة الدولية حين رد على اعتقاد البعض بأن أميركا ضعيفة لأنها أخذت في عهده تراجع سياسة الحروب التي خاضتها في العراق وأفغانستان، فدافع بقوة عن عودته الى التهديد بالقوة إزاء استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في 21 آب (أغسطس) الماضي، وحاول تبديد الصورة التي تواجه شعبيته في الداخل الأميركي بأنه متردد ومتراخٍ. فبعد أن أدار أوباما نصف ظهره للشرق الأوسط بسبب إخفاقات بلاده في العراق وفي ظل تهيئها للانسحاب من أفغانستان للاهتمام بالاقتصاد في الداخل وللتحضير للتحول الاستراتيجي نحو آسيا والباسيفيك على مدى العقد المقبل لأن مصالح بلاده في القرن الآتي هي هناك، اضطره الكيماوي السوري الى إدارة وجهه مجدداً نحو الشرق الأوسط، ولو لفترة من الزمن، من الآن وحتى انتهاء ولايته آخر عام 2016. لكن عودته للاهتمام بالمنطقة، كما قال هو، لها حدود، laquo;فنحن لسنا وحدناraquo;، لأنه يفضل التحرك مع الدول الكبرى الأخرى. وهو مبدأ مناقض لمبدأ جورج بوش بالضربات الاستباقية.

يلخص وزير الخارجية المصري نبيل فهمي انفتاح أفق الحلول الديبلوماسية لمناسبة الجمعية العمومية في الأمم المتحدة التي شكلت الأزمة السورية موضوعها الرئيس بقوله في حديثه الى laquo;الحياةraquo; الثلثاء الماضي: laquo;لا أرى حلاً سريعاً للأزمة في سورية، لأن الحل يحتاج الى صفقة كبرى وهذا سيأخذ وقتاًraquo;.