مفتاح شعيب

تؤكد خطة التقشف الصارمة التي أعلنتها الحكومة التونسية المؤقتة أن الأزمة المزدوجة اقتصادياً وسياسياً قد حققت أهدافها بوضع البلاد على حافة الكارثة، فنسب التضخم العالية والارتفاع الجنوني للأسعار واستفحال ظاهرتي البطالة والفقر كلها ملامح لصعوبات جمة تواجه التونسيين، مثلما هي نتيجة منطقية لسوء تدبير حكومي رافق المرحلة الماضية ولم يزل يدير الوضع بالمنطق نفسه .

المثير أن من هم في الحكومة يقرّون بهذا الوضع الكارثي، ولكن تحركهم باتجاه المعارضة لإيجاد الحلول الجماعية يغيب عنه التوافق والتنسيق بسبب التردد وانعدام الثقة والخشية من تطورات ما بعد هذه المرحلة . وربما يسقط من حساب البعض أن استمرار الأزمة السياسية سيطحن الاقتصاد ويفاقم اختلال الموازين بين الواقع والمأمول . وعلى افتراض أن الوساطات والمشاورات الجارية لإيجاد حل ستصل إلى نتيجة، فإن ما وصل إليه الوضع المعيشي للتونسيين من تدهور لن يساعد على التدارك بسرعة، ويؤشر إلى أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر اضطراباً اجتماعياً وتشنجاً سياسياً . وهذا المآل كان منتظراً منذ أن بدأت الحكومة الحالية بقيادة حركة النهضة تتعثر تحت تأثير المعارضة المتعاظمة المستفيدة مما تعتبره فشلاً حكومياً خصوصاً على الصعيد الأمني، يضاف إلى ذلك ما تشهده المنطقة من تقلبات ومخاضات لها أثمانها، ومخاطر تنكشف من يوم إلى آخر، لتؤكد أن التحديات الماثلة لن يستطيع أي طرف التصدي لها وحده في غياب الأطراف الأخرى .

فترة العامين الماضيين من عمر تونس، كانت مملوءة بالأحداث المؤلمة والمجانية أحياناً، وعرفت خططاً مدمرة لو وجدت طريقها إلى التنفيذ لضاع البلد ولسقطت الحكومة وأحزابها والمعارضة وحركاتها في سياقات أخرى . ومن تلك الخطط ما كشفه وزير الداخلية لطفي بن جدّو عن إحباط مساع لإسلاميين متشددين لتقسيم البلاد إلى ثلاث إمارات إسلامية بعد حملة تفجيرات واغتيالات تستهدف رموزاً سياسية وأمنية ومنشآت حيوية . وبالنسبة إلى كل من يتابع تفاصيل الوضع التونسي، لم يكن ما كشفه ابن جدّو غريباً، وليس هو آخر المفاجآت . وطالما الأزمة السياسية محتدمة والعلاقة بين أطرافها تقوم على التشكيك، فليس هناك ما يطمئن أو يرفع اللبس والغموض عن مجريات قادم الأيام .

رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي توقع أن يكون العام المقبل 2014 صعباً، وتوقعه لا ينم عن استشراف خارق، وإنما لأن المقدمات الحاصلة حالياً توحي بذلك . والصراع الذي يدور بين أحزاب سياسية تحكم وأخرى تعارض يمكن أن يستفحل إذا فشلت نهائياً وساطة المنظمات الأهلية الأربع الراعية للحوار الوطني، وفي صدارتها الاتحاد العام التونسي للشغل . فهذه المنظمات لا يمكن بأي حال من الأحوال التهوين من قوتها وحجمها، وإذا لم تنجح في مهمتها فهي إما ستنكفئ على ذاتها، وهذا مستبعد، وإما ستنحاز إلى مبادرتها وهذا هو الأرحج، وهو ما يعني أن تونس مقبلة على غليان شعبي يبدأ بالمسيرات والاعتصامات المنظمة، أما نهايته فقد يكون منزلقاً خطراً، نرجو ألا يحصل لأنه فوق الاحتمال .