الشيخة مي بنت محمد آل خليفة


وسط ما يصلنا من أخبار تطاردنا بوسائلها الحديثة، فلا تترك لنا مفرا من الاعتراف بهيمنتها على واقع عالمنا العربي الذي أصبح شاغل الناس لا بتراثه الإنساني ولا بعمقه التاريخي ولا بخيراته الطبيعية، وإنما بفعل التدمير الذي أصبح بديلا عن التعمير.. وسط ما نعيش اليوم، هل نستطيع القول إن ما آلت إليه أوطاننا يأتي نتيجة حتمية للجهل الذي تركناه يستشري حين أهملنا الأدوات الحقيقية التي بإمكانها أن تغير معالم الأوطان ومصير أبنائها.

هل نستطيع القول إن الثقافة ـ التي يراها البعض ترفا بإمكاننا الاستغناء عنه ـ أداة أساسية من الممكن أن تغير الواقع وتنقلنا إلى غد أجمل؟.. يمكن هذا لو استطاع صناع القرار ابتكار مسارات جديدة تأتي بمردود سياسي واقتصادي، لا عبر القنوات التي أثبت الزمن فشلها، وإنما بوسائل أخرى لتغيير الصورة النمطية التي ارتسمت في مخيلة الآخر عن بلدان تملك من الثروات ما لا يملكه غيرها، ولا أقصد هنا النفط، وإنما النفط الذي لا ينضب أي الاستثمار الثقافي وتوظيفه كقيمة عالية ترتقي بالأوطان حتى في الأوقات السياسية والاقتصادية الصعبة، فهي (أي الثقافة) المحرك الأول للتنمية الاجتماعية، ولا شك أن الاقتصاد الوطني معرض للخلل إن لم نحافظ على التراث الثقافي، ومن المؤلم أن نملك أهم المعالم ولا نستثمرها، مما يعني أننا لا نفكر في المستقبل!

هنا لا بد أن أذكر تجربة خاصة في فترة استثنائية من تاريخ البحرين، وحين اختلت صورتها التي ألفناها كان رهاننا على الثقافة وسيلة وسلاحا جرى توظيفه لتصل الصورة الحقيقية إلى العالم أجمع عبر معارض لتراثها الإنساني في أكبر متاحف العالم (معرض laquo;تايلوس: رحلة ما بعد الحياةraquo; في متحف الأرميتاج بمدينة سان بطرسبورغ الروسية ndash; يوليو/ تموز، 2012، والذي زار متاحف عالمية أخرى). ومن خلال أنشطة ثقافية في مسرحها الوطني استقطبت قامات لها ثقلها العالمي ولها صداها الإعلامي ولحضورها عائد اقتصادي لا يجهله من يرصد ما تحققه مثل تلك الفعاليات من حراك اقتصادي، وليس بعيدا عن ذاكرتنا المهرجانات العريقة في دول الجوار وما لها من مردود اقتصادي أنعش قطاع السفر والسياحة وجاء بعائد كبير للدخل القومي، وبالطبع لا يتحقق كل هذا إلا بتوافر العنصر الأهم، أي الأمن، لكي نستطيع أن نستثمر في الثقافة.

لو تحقق ذلك نكون قد اقتربنا من مقولة جلال الدين الرومي: laquo;ولتعلم أن ما تسعى إليه يسعى إليكraquo;، ولتحقق الأجمل والأكثر رقيا واستدامة، فالثقافة هي المستقبل والحصن الأخير للدفاع عن الشعوب.

* وزيرة الثقافة البحرينية