محمد الأشهب

أقرت حركة التوحيد والإصلاح المغربية التي ينظر إليها كذراع الدعوة والإرشاد بالنسبة للحزب الإسلامي الحاكم laquo;العدالة والتنميةraquo; بفك ارتباطها بشؤون وشجون مشاورات تشكيل الحكومة. وهي إن لم تعلن في أي وقت سابق أنها تدعم هذا التوجه أو ذاك داخل الحكومة، فإن وجود قياديين منها في مناصب وزارية، لا يلغي جانباً من التأثير الذي لم يكن يلتفت إليه أحد قبل أحداث مصر، ما يرجح فرضية انتشار فيروس العدوى.

زاد في حساسية الموقف صدور قرار من القضاء المصري يحظر تنظيم laquo;الإخوان المسلمينraquo;، ما أعاد إلى الأذهان أصواتاً في المغرب دعت إلى تعليق نشاط laquo;العدالة والتنميةraquo; على خلفية الهجمات الانتحارية التي كانت الدار البيضاء مسرحاً لها في العام 2003. لولا أن الحزب الإسلامي التزم إستراتيجية ذكية، أبعدته عن كل الشبهات، وصار يحبذ أن ينعت بأنه حزب سياسي، مثل باقي الشركاء في المعارضة والموالاة، ويتميز بمرجعيته الدينية.

باستثناء دعوة الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط إلى حظر الحزب الإسلامي التي لا تخلو من خلفيات الصراع السياسي، فإن كافة الفرقاء يجاهرون بضرورة صون التجربة السياسية الراهنة من الانهيار. وإن اتسمت المواجهة بين المعارضة ورئيس الحكومة عبدالاله بن كيران بنوع من التصعيد الذي يميل إلى سياسة كسر العظم. لكن هذا الشعور باقتسام قيم المنافسة السياسية، تبدده أحياناً شكوك إزاء المدى الذي يمكن أن يبلغه الصراع، طالما أن مصطلحات مثل الهيمنة والاستئثار ومحاولة احتكار السلطة ترادف جولات النزاع السياسي الذي نزل إلى الشارع، واستقر عند حدود التظاهرات الاحتجاجية التي اتخذت من رفع أسعار الوقود حصان طروادة، من دون أن تتجاوزها إلى ما هو أبعد من قواعد العراك بين الحكومة والمعارضة.

في الوقت الذي تبدو الحكومة منشغلة بترتيب بيتها الداخلي لتأمين غالبية نيابية تساندها في إجازة مشروعات القوانين، جاء موقف حركة التوحيد والإصلاح مؤشراً للإيحاء بالتفريق بين التجربة المغربية ونظيراتها في بلدان أخرى. لكن مشاركة وفد عن الإصلاح والتوحيد في مؤتمر الحركات الإسلامية الذي استضافته باكستان، يطرح تساؤلات إزاء حدود ارتباطها بالتنظيم العالمي. وإن كان يصعب على حركات ذات مرجعيات موحدة أن يتنصل بعضها من مسؤولياته في مجال الدعوة التي تفرق بين ما هو سياسي صرف، وما هو ديني ينصرف إلى العبادات ومكارم الأخلاق.

إلى الآن، تميل الأزمة الحكومية في المغرب إلى الابتعاد عن مواجهات الوجود من عدمه. فقد استقرت عند جدل سياسي يقرأ في كتابه التحالفات الممكنة والمستحيلة. وكما يسجل لحزب بن كيران أنه أبدى انفتاحاً على فصائل المعارضة التي امتزج رأي كافة فصائلها إزاء الانضمام إلى حكومته، فإنه يسجل للمعارضة أيضا أنها التزمت قوانين الصراع السياسي، من دون اقتحام مربع الوجود الحزبي، تلافياً لاستنساخ الأحداث الجارية في كل من مصر وتونس. مع فارق في المعطيات وموازين القوى، أقربها أن المغاربة أنهوا الجدل حول الوثيقة الدستورية التي أقرت في استفتاء شعبي، ثم انصرفوا إلى معركة الصلاحيات والاختصاصات و آليات تدبير الشأن العام.

سواء أرادت حركة الإصلاح والتوحيد أن تبعد نفسها عن الخوض في مسائل سياسية، أو هدفت إنقاذ المشاورات لتشكيل الطبعة الثانية للحكومة، فإن ثمة اتفاقاً على صون مكاسب التجربة الراهنة التي أفسحت في المجال أمام تداول سلمي على السلطة، يستند إلى إرادة صناديق الاقتراع. قد تكون حركة الإصلاح والتوحيد مدت رئيس الحكومة بحبل نجاة في مواجهة الصعوبات التي يواجهها. إلا أن الراجح أن طوق النجاة يمنحه الناخبون، إذ يعاينون ثمار الإصلاح. أما الاكتفاء بالتلويح به أمام عجز غير خفي عن الجمع بين الرغبة والقدرة. فإنه علامة غير مشجعة، وليس بوسع أي فريق أن يستند على غير الانتساب إلى غضب الشارع لإطفاء لهيبه عبر مبادرات خلاقة تزيد في منسوب الأمل، ولا تدفع إلى تغلغل اليأس.