جاسر عبد العزيز الجاسر

من جديد يتأكد للجميع بأننا نعيش في مرحلة البحث عن المصالح في ظل غياب المبادئ، وأن الكبار لا يزالون يفرضون على الآخرين أن يقبلوا بتوافقاتهم ومقايضاتهم التي تستهدف تثبيت مصالحهم، حتى وإن سقط مئات الآلاف من ضحايا الشعوب الأخرى... فالشعوب تظل أرقاماً وضحاياها تروس لتشغيل مكينات مصالح أمريكا وروسيا والثلاثة الكبار الآخرين الصين وبريطانيا وفرنسا.

أوباما يقول بعد إقرار قرار مجلس الأمن الدولي الجديد الخاص بسوريا، إنه انتصار هائل لأمريكا. وكان الأصح أن يقول إنه انتصار لمصالح أمريكا ولأمن إسرائيل. أما روسيا وقيصرها بوتين فلم يكن في حاجة إلى تأكيد انتصاره، فيكفي أن أمريكا رئيساً ووزير خارجية أنصاعوا لما يريد، فصدر قرار مجلس الأمن الدولي (منزوع الدسم) بلا طعم ولا رائحة، فبعد نزع ورفع الفقرات التي تلزم وتحاسب من يخرق القرار يكون القرار قد فُرغ من مضمونه، خصوصاً الفقرة الأخيرة من (المشروع) الذي قُدم للمناقشة، وحاربت روسيا على رفعها، والتي كانت تنص على (يقرر في حال عدم الامتثال لهذا القرار بما في ذلك النقل غير المصرح به للأسلحة الكيماوية أو أي استخدام للأسلحة الكيماوية من قبل أي شخص في الجمهورية العربية السورية سيتم فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدةraquo;.

هذه الفقرة التي غابت واستبدلت بنص يتيح لروسيا عرقلة أي إجراء لمجلس الأمن الدولي، فبدلاً من التأكيد على اللجوء إلى الفصل السابع نص القرار على (فرض عقوبات في مجلس الأمن الدولي إذا لم يستجب النظام السوري، لكنها لن تكون تلقائية بل سيتعين صدور قرار ثانٍ، مما يترك في هذه الحالة أمام موسكو إمكانية التعطيل، وبدأت موسكو بالفعل لوضع العراقيل وإتاحة الفرصة لنظام دمشق في التهرب من الالتزامات. يقول وزير الخارجية لافروف إنه يجب التحقق من صحة أي اتهام بعناية من جانب مجلس الأمن...!! وإثباته مائة بالمائة قبل تصويت مجلس الأمن على العقوبات والتي يجب أن تكون متناسبة مع الانتهاكات...!!

وهكذا قُيدت الإرادة الدولية بإرادة الدول الخمسة الدائمة العضوية، إذ أي خرق أو حتى عدم تنفيذ للقرار والاستمرار في ارتكاب المجازر ضد الشعب السوري سيظل محمياً بالفيتو الروسي أو الصيني. وهذا ما يتعارض مع العدالة، إذ إشهار (الفيتو) أياً كان غربياً أو روسياً أو صينياً تعطيل للعدالة. وكان المفروض أن يكون النص واضحاً وأن يتعدى استعمال الأسلحة الكيماوية إلى الأسلحة الفتاكة الأخرى كالطائرات والصواريخ.

الوزراء والسياسيون الذين حضروا في نيويورك وصفوا القرار بأنه (breaKing) (بريكنك)، مما يعني إعطاء فسحة وقت إضافي جديد لنظام بشار الأسد، إضافة إلى الإشارة إلى عقد مؤتمر جنيف laquo;2raquo; على أساس مبادئ مؤتمر جنيف laquo;1raquo; الذي وإن أشار إلى ضرورة تشكيل حكومة شراكة تضم عناصر من المعارضة والنظام وسوريين آخرين إلا أنه تجنب الإشارة إلى وضع بشار الأسد الذي لم يعد مقبولاً ليس فقط من المجتمع الدولي بل حتى من الشعب السوري.

وهكذا، وكما تخوفت المعارضة ودول أصدقاء سورية فقد جاء القرار غير ملبٍ لكثير من المطالبات التي قدمها الشعب السوري عبر ممثليه والدول الصديقة، فالقرار الجديد يتيح مجالاً آخر للنظام السوري للقيام بالمزيد من التلاعب والتأخير في تنفيذ الالتزامات، ولهذا فقد عبر الكثير من الوزراء كوزير خارجية العراق ومصر من أن الأزمة السورية ستظل لفترة طويلة عصية على الحل.