يوسف الديني

لا أجد طرافة أبدا في تتبع تنبؤات العرافين على اختلاف مواقعهم، لكن المثير واللافت في روزنامة التوقعات للسنة المقبلة أنها laquo;مسيسةraquo; بشكل مخيف، كما أن الإقبال عليها من حيث النشر والتداول والنقل في أوساط البسطاء في مجتمعاتنا العربية مخيف حقا، حتى الصحف الرزينة تكتفي بتصدير هذه الموضوعات بـlaquo;كذب المنجمون ولو صدقواraquo; لشرعنة هذه الموضوعات التي تلقى رواجا كبيرا هذه الأيام.

الدجالون الأذكياء هذه السنة قصروا نبوءاتهم على الجانب السياسي وبشكل يوحي بأنهم متابعون جيدون لقراءة التحليلات الاستشرافية للسنوات المقبلة وصياغتها في شكل أزمات وانهيارات واغتيالات وليس مجرد رؤية استشرافية كما يفعل المعلقون السياسيون.

لكن هل يمكن استشراف خطوط عريضة لعام 2014 بناء على معطيات الأعوام الثلاث الماضية التي أخذ فيها laquo;الربيع العربيraquo; فرصته وتشكل بكل طقوس ومواسم العام في الوقت ذاته؟!

الأرجح أن السيولة الشديدة للمعطيات السياسية صغيرها وكبيرها لا تعطي هذه القدرة على الاستشراف، فمن كان يتوقع أن ينتهي الحال بالإسلام السياسي البديل الذي صنع على مهل ليحل بدلا عن الأنظمة القمعية ينتهي بهذه الطريقة المدوية، ليجد نفسه محاصرا حتى في أكثر النماذج له تسويقا (النموذج التركي) الذي يبدو أن صلف إردوغان سيقوده إلى حتفه مجددا رغم نجاحاته في الحالة التركية لأسباب يطول شرحها؟

وما قيل عن سقوط الإسلام السياسي يقال أيضا عن مخالفة التوقعات التي تنبأت بهزات سياسية في دول الخليج لتنعكس إلى مزيد من الاستقرار السياسي والأرقام الضخمة للإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية وعودة الهدوء النسبي للبحرين وزيادة القيمة لدبي والإمارات بكسبها المزيد من النجاحات الدولية على صعيد المدن الحديثة.

laquo;القاعدةraquo; التي كان يتنبأ المخدوعون بالربيع العربي بموتها وانتحارها بسيف الديمقراطية والتعددية السياسية انبعثت من الرماد لتصبح الرقم الأبرز والحدث الأهم طيلة عام 2013 وبأشكال مختلفة: laquo;القاعدةraquo; المستقرة في شكل دولة، laquo;القاعدةraquo; كطرف سياسي مفاوض ومؤثر كما في الحالة السورية، laquo;القاعدةraquo; المقوضة للدولة (اليمن)، laquo;القاعدةraquo; الخارجة عن جسد الدولة (سيناء وليبيا وتونس)، وlaquo;القاعدةraquo; الإمبراطورية الافتراضية على الإنترنت التي هي الممول الرئيس للمجموعات المقاتلة في مناطق التوتر المختلفة. وإذا كانت هذه التحولات - غير المتوقعة - هي نتيجة السيولة السياسية الشديدة في المنطقة، فإن العنوان العريض لعام 2014 هو أنه عام التحولات بامتياز على المستوى الجيوسياسي في المنطقة والتوازنات بين الدول. خرجت تركيا من المعادلة بعد أن كان يُتنبأ لها بدور كبير، كلنا يتذكر الحديث عن laquo;عودة الخليفةraquo;، لكن عودة مصر إلى التأثير مرهون بنجاحها في صراعها مع الإسلام السياسي وlaquo;الإخوانraquo; الذي يسير الآن لصالح الجيش وليس الدولة، بمعنى أن حماقات laquo;الإخوانraquo; جعلت عموم المجتمع المصري غير المسيس يفضل البندقية على البطاقة الانتخابية، وهو الأمر الذي لم يستغل لتحويل هذه الثقة إلى الدولة ذاتها، وإنما استمر التعاطي مع ملف laquo;الإخوانraquo; في شقه الجنائي والإعلام والدعائي وليس السياسي، وهو الأمر الذي حذر منه كثير من العقلاء أن تنزل الدولة إلى حلبة الصراع فيما تقف النخب السياسية في مدرج الجمهور لهذا الطرف أو ذاك.

على مستوى المعادلة الإقليمية وتدخلات المجتمع الدولي هو عام التنازلات، فهناك حالة من الانسداد السياسي تتخلق ببطء في الأفق، الاتفاق الإيراني الأميركي ليس في أفضل حالاته، دول الاعتدال العربي غير راضية عن السلوك الأميركي، والولايات المتحدة برئيسها في ولايته الأخيرة محاصرة بقائمة طويلة من الملفات العالقة التي تنتظر الحسم بدءا من الملف الفلسطيني - الإسرائيلي وليس انتهاء بتحديد أولويتها في المنطقة التي عانت من ازدواجية شديدة: الإبقاء على بشار الأسد خوفا من انهيار سوريا، في حين دعمها لـlaquo;الإخوانraquo; وحركات الإسلام السياسي ولو على حساب تقويض بنية الدولة.

بالنسبة لدول الربيع العربي هو عام دفع الثمن بامتياز، فالهويات الصغيرة المتصارعة التي ظهرت للسطح بعد سقوط مظلة الدولة التي كان يحتمي تحتها الجميع بدأت في طريقها إلى التضخم والتحول إلى مشاريع معارضة ودول داخل الدولة ذاتها، الثوار القادمون من خلفية جماعات مسلحة لا يمكن أن يتحولوا إلى حزب سياسي في ليبيا، والنهضة مهما انحنت للعاصفة بتأثير سقوط أخواتها المدوي لا يتصور أن تعود إلى فصيل سياسي صعد إلى عرش السلطة ونزل منها.

هو أيضا عام دفع الأثمان للدول التي لم يمسها laquo;الربيع العربيraquo; بفوضاه، الانكفاء على الداخل وإصلاحه والمناعة من تأثيرات الحدود مهمة شاقة لدول كالأردن والمغرب والجزائر، كما أن دول الخليج رغم أنها الأكثر تماسكا في المشهد كله، فإنها الأكثر تعرضا لمرمى النيران، نيران صديقة ومعادية ومغرضة، مما يجعل 2014 أيضا عام الفوضى على مستوى الأفكار والقناعات.