مظهر محمد صالح


تجلى الوجوم في صفحة وجه الرئيس الأميريكي بنجامين فرانكلين 1789 ميلادية وهو على طاولة مكتبه عندما تناول قلمه بحركة حادة وراح يكتب على ورقة بيضاء ليفاجأ بأن قلمه ليس فيه نقطة حبر واحدة... ثم انتبه الى أن القلم لا يكتب. توقف الرئيس فرانكلين عند قلمه الساحر الذي بات لغزاً غير قابل للتفسير في تلك اللحظات، وهو يحرك يديه حركة حائرة ليقول: إن في هذا العالم لا يوجد شيء نعتقد انه مؤكد عدا شيئين هما: الموت والضرائب..! إنه من الصعب حقاً على رجل البلاد الأول أن يتذمر من الضرائب، ولكن على الرغم من ذلك استمرت الحكومات ومنذُ عهودٍ بعيدة
تفكر وبطريقة مبدعة في التحصيل النقدي للضرائب والرسوم.
إذ يروي الكتاب المقدس انه عندما سافرت مريم العذراء (عليها السلام) مع يوسف الى بيت لحم كان هدفهما تسجيل ملكيتهما للضرورات الضريبية. ولم ينفك ملك انكلترا وليم الفاتح في مطلع العام 1086 ميلادية في التحري عن التحصيل الضريبي، عندما أجرى مسحاً ضريبياً لانكلترا في كتاب اسماه بيوم الحساب! ذلك بغية معرفة من هم الخاضعون للضريبة حقاً. كما فُرضت ضريبة الدخل في مطلع القرن العاشرالميلادي على المواطنين الصينيين كافة. وظلت الضريبة وحتى اليوم المصدر الرئيس في النزاعات السياسية.
فقد تعهد على سبيل المثال الرئيس جورج بوش الاب في حملته الانتخابية في العام 1988 قائلاً بالحرف الواحد: أقرؤوا شفتي.. لا ضرائب جديدة!! وفجأةً انقلبت الأوضاع المالية على عكس ما تعهّد به أمام ناخبيه فتعاظمت الضرائب إبان حكمه مرات عديدة.
وظل الناس يمتعضون ومنذ فجر التاريخ من أي استقطاع يطول تدفقاتهم النقدية او المادية عنوةً حتى وإن كانت لأسباب وجيهة.
ويلحظ ان محصلي الضرائب كانوا أشد قسوة مما هم عليه الآن، ما اضطر العمال والفلاحين في تلك الحقب التاريخية الى بيع زوجاتهم وبناتهم الى حواضن العبودية حينما يتعذر عليهم دفع الضرائب المترتبة عليهم.
وعلى مر التاريخ، لم يجد التذمر الذي يظهره الساسة حول العبء الضريبي، كما أن انتقادها لا يوفر حقاً ملزماً في خفض أعبائها كحق من الحقوق الانتخابية. ولكن انتقاد الضريبة على سبيل المثال كان حافزاً للناس في توقيع لائحة حقوق الانسان (المكناكارتا) في العام 1215 ميلادية في انكلترا، كما شكل الانتقاد الضريبي واحدا من دوافع قيام الثورة الفرنسية وتحركات حزب الشاي في بوستن إبان الثورة الاميركية. وعلى الرغم من ذلك، كانت الضريبة تفرض وعلى نحو قليل لا يتعدى 10 بالمئة من الدخل السنوي في الغالب. كما تفرض وبشكل خاص عند اندلاع الحروب وهو أمر لا يتكررسنوياً. ولكن نجد اليوم ان الضرائب تفرض سنوياً حتى وان كانت البلدان غير منغمسة بحرب. فالاتحاد السويسري، الذي لا يعرف الحرب في تاريخه، تصل الضرائب فيه على المشتغلين بنحو 30 بالمئة من مدخولاتهم السنوية.
لقد أخذ النظام الضريبي، ومنذ منتصف القرن العشرين، يمسك بدورين ثنائيين: أولهما، تمويل المؤسسات التي تحمي المواطن كالجيش والشرطة والطوارئ والمحاكم، وثانيهما، إعادة توزيع الثروة من اولئك القادرين الى اولئك المحتاجين ضمن دولة الرفاهية الحديثة.
ختاماً، عندما أقدم وليم بت الأصغر رئيس وزراء بريطانيا وللمرة الاولى في العام 1798 على اعتماد نظام لضريبة الدخل في انكلترا في خضم الحروب النابليونية، كان قد أصر بأنه إجراءٌ وقتي لتسديد نفقات تلك الحروب مع فرنسا، ولكن استمرت ضرائب الدخل دون توقف في انكلترا منذ ذلك العهد لكي يحقق رئيس وزراء بريطانيا نبوءة الرئيس الأميركي فرانكلين 1789 ميلادية القائلة: بأنه لا يوجد شيء مؤكد في هذا العالم عدا الضريبة او الموت!!.